الإنتخابات التشريعية الفرنسية: نحو فوز ساحق لحزب الجمهورية إلى الأمام للرئيس ماكرون

تؤكد استطلاعات الرأي ، الواحد تلو الآخر من مختلف المؤسسات، انتصار حزب الرئيس إيمانويل ماكرون في الانتخابات التشريعية المبرمجة ليومي 11 و 18 جوان الجاري. مع بداية العد التنازلي، إثر تولي

ماكرون مقاليد السلطة، بدأت استطلاعات الرأي تشير إلى نية الناخبين الفرنسيين منح الرئيس الجديد أغلبية مريحة في البرلمان كما جرت به العادة في كل انتخابات الجمهورية الخامسة. و تدعم هذا المد مع الأيام بتجسيم التوجه الرئاسي المعلن في تشكيل أول حكومة «تعددية» وتكليف إدوار فيليب أحد قادة اليمين الجمهوري بقيادتها.

آخر استطلاع للرأي قامت به مؤسسة «إيبسوس» العريقة التي نجحت في تقديم أرقام قريبة جدة لواقع نتائج الانتخابات الرئاسية، خلافا لما كان معتقدا من أن استطلاعات الرأي لا تعد لها القدرة على التنبؤ بنتائج الانتخابات بعد فشلها في «البريكسيت» و في انتصار دونالد ترامب غير المنتظر. أشار الإستطلاع إلى تقدم حزب الجمهورية إلى الأمام وحليفه حزب «المودام» الوسطي بنسبة 5،31 % على حزب الجمهوريين (22 %) وحزب الجبهة الوطنية (18 %). أما حزب جون لوك ميلونشن «فرنسا المتمردة» فانحدر إلى نسبة 5،11 % بعد أن حصل زعيمه على 19 % في سباق الرئاسية. الحزب الإشتراكي يؤكد استقراره في ذيل قائمة الأحزاب بنسبة 5،8 %.

هذه النسب تترجم إلى إمكانيات في الحصول على عدد من المقاعد في البرلمان تتوزع كالآتي: من 397 إلى 427 مقعدا للجمهورية إلى الأمام من جملة 577 في البرلمان. و يكفي أن يتحصل الحزب على 289 مقعدا للحصول على أغلبية مطلقة. الاستطلاع يوزع ما بقي من فتاة على الأحزاب الأخرى: الجمهوريون (من 95 إلى 115)، الجبهة الوطنية (من 5 إلى 15)، فرنسا المتمردة (من 11 إلى 21) ، الحزب الاشتراكي (من 22 إلى 30). هذه الأرقام اعتبرها الإعلام الفرنسي «تسونامي» سياسي إذ تكرس «دكتاتورية ماكرون» وخروج الأحزاب التقليدية من بوتقة النفوذ ودخول الجبهة الوطنية المتطرفة بقوة للبرلمان صحبة فرنسا المتمردة اليسارية مع إمكانية أن يكونا كتلة برلمانية لكل منهما تعطيهما حقوق إضافية في العمل البرلماني.

وجوه اشتراكية في خطر
أشارت مختلف الاستطلاعات والدراسات الميدانية إلى الوضع الشائك الذي يجد فيه بعض الشخصيات المرموقة من العهد الماضي خاصة منهم وجوها من الحزب الاشتراكي مثل الرئيس الأول السابق مانويل فالس والأمين العام للحزب جون كريستوف كومباديليس ووزيرة التعليم نجاة فالو بالقاسم. ويجد عديد الزعماء الاشتراكيين صعوبة في إقناع قواعدهم بالتصويت لفائدتهم بعد فشل حكومات فرنسوا هولاند في تحقيق الأهداف المعلنة في الخطابات السياسية. وهو مؤشر آخر على التقهقر الكبير المحتمل للحزب و نذير لانحلاله الممكن بعد الهزيمة لما للخلافات داخله من وقع على مسيرته المستقبلية و فقدانه ثقة ناخبيه في المقام الأول.

وذهب عدد من مرشحي الحزب الاشتراكي إلى توزيع ملصقات تحت عنوان «الأغلبية الرئاسية» خشية أن يمحقهم الاقتراع. و كرس بذلك عدد كبير من المرشحين الاشتراكيين انسحاب شعار و شارة الحزب الاشتراكي من المسابقة. وهو علامة إضافية أن اسم الحزب الاشتراكي أصبح بمثابة الطاعون الذي يمكنه أن يعصف بأركان تركة فرنسوا هولاند.

اليمين في التسلل
تراجع الحزب الاشتراكي الكارثي يخفي وضع حزب الجمهوريين اليميني الذي لم يتمكن، بعد فضيحة «بينيلوب غايت» المرتبطة بمرشحه للرئاسة فرنسوا فيون، من استرجاع ثقة ناخبي اليمين بسبب تمسك أنصار نيكولا ساركوزي بترشح فرنسوا فيون مما جعل عددا هاما من المساندين يعزفون عن مناصرة الحزب لأسباب أخلاقية. و يبدو الحزب خلال الحملة الانتخابية منقسما بين شق متفتح على مساندة رئيس الجمهورية و آخر متمسك بإستراتيجية الفوز لتشكيل حكومة «تعايش» وهو الخط السياسي الذي تزعمه النائب فرنسوا باروان معية ثالوث من المتشبثين بالخط اليميني الموالي لساركوزي.

وهو ما جعل الوزير الأول الأسبق والمرشح للرئاسية ألان جوبي، عمدة بوردو، يساند، في خطوة انتقامية، بعض وجوه اليمين الذين أعلنوا ترشحهم في إطار «الأغلبية الرئاسية». ولم يخف ألان جوبي يوم فوز إيمانويل ماكرون استعداده «للعمل» مع الرئيس الجديد شريطة أن يلتزم هذا الأخير بعدد من المبادئ التي أقدم عليها فعلا بتعيين إدوار فيليب ، أحد المقربين لعمدة بوردو، على رأس الحكومة الفرنسية. لكن جوبي أعلن أيضا التزامه بمساندة مرشحي حزبه. لذلك شارك في حملة الوزيرة السابقة ناتالي كوسيسكو موريزي المرشحة في باريس و التي تبدو مهددة في دائرته من قبل مرشح لحزب الجمهورية إلى الأمام، وذلك بالرغم من استعدادها للعمل مع الرئيس الجديد والالتحاق بالأغلبية الرئاسية دون أن يفتح لها الباب كما حدث مع الوزير برونو لومار الذي أصبح وزيرا للاقتصاد.

أسباب النجاح
يفسر الملاحظون نجاح حزب إيمانويل ماكرون في استطلاعات الرأي بتوق الناخبين إلى تجديد الطبقة السياسية وتمكين وجوه جديدة من دخول معترك السياسة وتقلد السلطة. وقد نجح حزب الجمهورية إلى الأمام في تجسيم ذلك عبر القائمات الانتخابية واختيار شخصيات جديدة فاق عددها 30 % من مجمل المرشحين عن الحزب. أما باقي الشخصيات فاختار ماكرون فتح المجال أمام وجوه جديدة نسبيا لا تفوق خبرتها السياسية المشاركة في المجالس البلدية و الجهوية دون أن تتقلد مناصب عليا. و التزم الحزب الجديد بقاعدة التناصف إذ سجلت قائمة المرشحين 51 % من المقاعد للنساء فيهم عدد هام في دوائر انتخابية في متناول المرشحات.

السبب الثاني يكمن في الخطوات الأولى للرئيس ماكرون الذي عين على رأس الحكومة شخصية بارزة من حزب الجمهوريين، وهو يمثل دستوريا رئيس الأغلبية الذي قاد الحملة الإنتخابية «لتمكين الرئيس من أغلبية مريحة» حسب عباراته. و أعطى ماكرون لمسانديه من اليمين عربون ثقة في تعيين برونو لومار وزيرا للاقتصاد مصحوبا بأحد العناصر الشابة اللامعة في نفس الحزب جيرالد دارمانان في المالية. و سمح ذلك بشق حزب الجمهوريين و تسهيل عملية التحاق ناخبين من القواعد اليمينية بعرض ماكرون السياسي المتفتح على اليمين و الوسط في إطار مشروع إصلاحي مشترك يكون مخرجا لليسار الليبرالي و

اليمين الإجتماعي.

السبب الثالث للنجاح يكمن في قدرة الرئيس إيمانويل ماكرون على سرعة تجسيمه للوظيفة الرئاسية خلال الخطوات الأولى على المستوى الدولي . فقد نجح ماكرون خلال أسبوع واحد أن يضمن لنفسه موقعا بين زعماء العالم بعد مشاركته في قمة حلف الأطلسي و قمة الدول المتقدمة السبعة و لقاءاته بالرئيس الأمريكي و الرئيس الروسي ورئيس وزراء الهند. و أظهر ماكرون أنه جاهز لفهم أبجديات العمل الدبلوماسي و قادر على محاكاة كبار العالم. وهو ما بث الثقة في صفوف الناخبين الذين قرروا المشاركة في الدورة الأولة للإنتخابات التشريعية.

لكن ، حسب مؤسسات استطلاعات الرأي، يبقى ثلث الناخبين غير مرتاحين من سياسات إيمانويل ماكرون المعلنة و تحالفه مع اليمين و الوسط. وهو ما يفسر أن عدد الممتنعين عن التصويت سوف يسجل رقما قياسيا مـــا بين 40 % و 48 % من المسجلين في قائمات الناخبين. و إن تشكل هذه النسبة عزوفا مقلقا للبعض فإنها سوف تمنح دفعا ثمينا لمرشحي الجمهورية إلى الأمام بحكم قانون الانتخاب عبر دورتين الذي يفرض على المرشحين الحصول على نسبة 5،12 % من المسجلين للمشاركة في الدور الثاني. وهو بالنسبة للتشكيلات الصغيرة تحد كبير.إذ من المبرمج أن يؤثر ذلك سلبا على الحزب الاشتراكي و الجبهة الوطنية و حركة «فرنسا المتمردة». بذلك أصبح من الواضح، حسب التكهنات المسجلة، أن فرنسا قادمة يومي 11 و 18 جوان على «تسونامي سياسي جديد».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115