بعد انسحاب أمريكا من اتفاق باريس 21: العالـم ضد دونالد ترامب

نزل قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاق باريس المتعلق بالمناخ كالصاعقة على العالم. فبعد أن رفض الإفصاح عن موقفه خلال قمة السبع دول الأكثر تصنيعا في مدينة تورمينا بصقلية، أرجأ الإعلان عن قراره إلى يوم الخميس 1 جوان، الخميس الأسود بالنسبة

لعديد العواصم والمنظمات الدولية الراعية للطبيعة والمحيط والمناخ.

اتفاق باريس لعام 2015 (كوب 21) تم توقيعه من قبل 195 دولة في موكب رهيب أقيم بمدينة باريس و كانت فرصة تكاد تكون وحيدة أرجعت الأمل في التعاون الدولي و في «المجتمع الدولي» بعد عدم الثقة الذي لحق قرارات مجلس الأمن و تفرد القوى العظمى بها في مناخ دولي مضطرب. أهمية الإتفاق أنه لم يكن اجباريا بل أعطى الدول مساحة حرة لتقرر مساهمتها في تنفيذ الإتفاق الرامي إلى الوصول إلى ارتفاع حرارة المناخ إلى 2 % مع أواخر القرن. وقررت إدارة باراك أوباما و جل المؤسسات الصناعية الكبرى الإلتزام بخفض نسب التلوث من 26 % إلى 28 % علما أن الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولة على تلوث العالم بنسبة 21 %.

شبه إجماع ضد قرار ترامب
قرار دونالد ترامب لقي معارضة تكاد تكون شاملة من جل العواصم في العالم التي تحركت إبان الإعلان منتقدة الموقف الأمريكي ومعبرة عن دهشتها من هذا التحول الذي نعته البعض ب «الخطير» و البعض الآخر ب «الكارثي» على مستقبل الأجيال في العالم. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون أول من ألقى خطابا ، بالفرنسية وبالأنقليزية، نقلته قنوات التلفزيون في فرنسا و الولايات المتحدة، مخاطبا دونالد ترامب ومعتبرا أنه «إرتكب خطأ بحق مصالح بلاده وبحق مستقبل كوكبنا» ، مضيفا أن «الولايات المتحدة أدارت ظهرها للعالم». وقال الرئيس ماكرون لنظيره الأمريكي: «لن نعيد التفاوض بأي شكل من الأشكال على اتفاق يكون أقل طموحا». وأعلن في نفس السياق أنه تحادث مع المستشارة الألمانية ومع رئيس الحكومة الإيطالية وأن فرنسا وإيطاليا وألمانيا تعلن تمسكها بالإتفاق. وطالب

رؤساء الدول التي وقعت على اتفاق باريس الإبقاء على تعهداتها و مساندة الإطار الدولي لمقاومة الاحتباس الحراري.

وجاءت الانتقادات من الإتحاد الأوروبي وكندا وبريطانيا التي «أسفت» للقرار الأمريكي. وعبرت تيريزا ماي لدونالد ترامب في مكالمة هاتفية عن أن «اتفاق باريس يعطي إطارا جامعا ملائما لحماية الرفاه والأمن للأجيال القادمة في حين يضمن الولوج إلى الطاقة بالنسبة لمواطنينا ومؤسساتنا». وكانت العواصم الأوروبية متخوفة من الموقف البريطاني بعد «البريكسيت» والتقارب الواضح بين تيريزا ماي ودونالد ترامب. وقالت المستشارة أنجيلا ميركل في تصريح للتلفزيون الألماني: «نحن متمسكون أكثر من قبل في ألمانيا وأوروبا وفي العالم بتجميع كل قواتنا» لمقاومة هذا التحدي.» وأضافت «هذا القرار لن يوقف من يعتبر أنه من واجبنا حماية الكوكب.»

وجاء الموقف الصيني واضحا بل جريئا على لسان الناطق الرسمي باسم الخارجية الذي اعتبر أن «على كل الأطراف الموقعة حماية ما توصلنا إليه من نتيجة بعد عناء طويل».وأعلنت روسيا من جهتها عن تمسكها بالقرار وعن عدم تراجعها عنه. أما الناطق الرسمي باسم برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك فإنه عبر عن أسفه العميق وأعلن أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش «له ثقة في المدن والولايات والمؤسسات في الولايات المتحدة لمواصلة العمل ، مع الدول الأخرى، لفائدة نمو اقتصادي دائم بأقل نسبة ممكنة من الكربون والذي يساهم في خلق مواطن شغل متميزة وفتح أسواق تضمن الرقي في القرن الواحد والعشرين.»

قوى أمريكية تتحرك في الداخل
في الداخل بادرت الولايات الكبيرة التابعة للحزب الديمقراطي ، وهي ولايات نيو يورك و كاليفورنيا وواشنطن، بالإعلان عن رفضها لقرار دونالد ترامب و بادرت بإطلاق «تحالف من أجل المناخ» من أجل تطبيق اتفاق باريس. وهي تمثل خمس الشعب الأمريكي و خمس الناتج الداخلي الخام. وكتب أندرو كوومو حاكم نيو يورك في بيان رسمي «إن القرار الخطير للبيت الأبيض سوف تكون له انعكاسات درامية لا فقط على الولايات المتحدة بل على الكرة الأرضية. هذه الإدارة تخلت عن دورها القيادي» في العالم. أما حاكم كاليفورنيا جري براون فاعتبر أن قرار ترامب «مخالف لكل ما يقوله العلماء والرأي العام الدولي».

من جهة أخرى أعلن المسؤولون عن كبار شركات «سيليكون فالي» وديزنائ وجينيرال موطورز وجينيرال إليكتريكس عن رفضهم للقرار الرئاسي وعن عزمهم الإلتزام باتفاق باريس. حتى شركات النفط إيكسن موبيل و شيفرون، التي كان من المفروض أن تنتفع من قرار ترامب، فهي التحقت أيضا بالشركات المعلنة عن تمسكها باحترام اتفاق باريس معتبرة أن تواجد الولايات المتحدة على طاولة المفاوضات يسمح بضمان تعامل عادل مع كل الطاقات في إطار اقتصاد مفتوح ، شفاف و تنافسي . وجاءت هذه الأصوات لتدعم موقف الرئيس السابق باراك أوباما ونائب الرئيس السابق آل غور الذي انتقد قرار البيت الأبيض. وهو ما يفتح بابا لإنقسام المجتمع السياسي والاقتصادي الأمريكي على خلفية البدايات المتقلبة لولاية ترامب المحاصر من قبل المعارضين والمتهم بتواطئه مع روسيا خلال الحملة الانتخابية حسب البحث الذي فتحه مكتب البحوث الفدرالي ضد فريق البيت الأبيض.

دكتور فول أمور جديد؟
قرار دونالد ترامب التراجع عن حماية البشرية من أخطاء السياسات التي اتخذتها الدول المصنعة بما فيها الولايات المتحدة و التي ساهمت بقدر كبير في تلوث كوكب الأرض أرجعت للذاكرة صورة الدكتور فول أمور في فيلم ستانلي كوبريك لعام 1964 و الذي كان يجسد تهديد القنبلة الذرية في عصر الحرب الباردة. وقد تم اقتباس هذا الفيلم من كتاب عنوانه «120 دقيقة لإنقاذ العالم» للكاتب بيتر جورج. مواقف الرئيس الأمريكي المضطربة والرامية بعرض الحائط الإتفاقات الدولية لا تنبئ بخير بالرغم من المعارضة الداخلية والمواقف الدولية. رأيناه يتخلى عن اتفاقية التبادل الحر مع دول آسيا ويرمي عرض الحائط باتفاقية التبادل مع دول شمال أمريكا. وهاهو ينتصب لوحده ضد 194 دولة في العالم لتمكين بعض مسانديه من مواصلة تخريب المناخ.

بعض المحللين أصبحوا يشككون في قدرات ترامب الذهنية لقيادة أول دولة عظمى لما لها من مسؤولية في أمن واستقرار العالم. قرارات ترامب تبدو متماشية مع وعوده الانتخابية. فقد أعلن أنه تم انتخابه من قبل «بيترزبورغ لا من قبل باريس» لكن حاكم بيترزبورغ أعلن مباشرة بعد خطابه أنه متمسك بقرار باريس، وهي بمثابة الصفعة السياسية. لكن بعض المحللين أشاروا إلى مختلف قراراته التي تفتقر لأدنى حدود المعقول. فكيف يمكن رفض التقارير العلمية و عدم الإصغاء لما يقول الباحثون الذين مولتهم الخزينة الأمريكية لحماية كوكب الأرض؟ وكيف يمكن لدولة عظمى أن تترأس الحرب على الإرهاب عندما تقيم شراكة مع دول متهمة بمساندة و تمويل الحركات الإرهابية؟ وكيف يمكن لدولة عظمى أن «تدير ظهرها للعالم» بدون أن تهدد استقراره؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115