«أفغانستان» المعادلة الصعبة في قلب «آسيا»: الولايات المتّحدة الأمريكية وصعوبة الخروج من «وحل الحرب الأفغانية»

اهتزت افغانستان صباح اول امس على وقع انفجار ضخم استهدف الحي الدبلوماسي بالعاصمة كابول وأوقع نحو 90 قتيلا وأكثر من 460 جريحا كحصيلة اولية قابلة للارتفاع . ويعد الهجوم الأعنف في هذا البلد الواقع في قلب القارة الآسيوية والذي يغرق منذ عقود في العنف والحروب الأهلية

وعدم الاستقرار السياسي والأمني . وأعلنت المانيا مقتل حارس سفارتها فيما اكدت كل من الإمارات وتركيا ومصر وفرنسا تضرر مباني سفاراتها في كابول علما ان الحي الدبلوماسي في افغانستان يضم عددا كبيرا من المنشات الهامة والحساسة على غرار القصر الرّئاسي بالإضافة الى عدد كبير من سفارات الدول .

ورغم الحراسة الامنية المشددة المفروضة على هذا الحي الشبيه بالحصن إلا ان هذا التفجير الدامي ليس الاول الذي يستهدفه لكنه الاعنف منذ عقود . وبعد نفي متحدث باسم حركة «طالبان’’ المتشددة في أفغانستان مسؤولية الحركة عن الهجوم ، تتجه اصابع الاتهام الى تنظيم «داعش» الارهابي الذي تبنى في اوقات سابقة عدة هجمات في مدن افغانية وأيضا تبنى يوم امس هجوم الحي الدبلوماسي بعد ان نجح في خلق موطئ قدم له في هذا البلد الذي يعيش على وقع حرب مستمرة بين الحكومة ومايعرف بحركة ‘’طالبان» الاسلامية المتشددة. واتهمت وكالة الاستخبارات الأفغانية شبكة حقاني المتمردة وباكستان بأنهما وراء التفجير الضخم بشاحنة الذي وقع في العاصمة كابول . يشار إلى أن شبكة حقاني جماعة متمردة عنيفة تتعاون بصورة وثيقة مع حركة طالبان. وتتهم أفغانستان باكستان بدعم وإيواء أفراد حقاني وطالبان.

الحرب الافغانية تعتبر من اكثر الحروب عنفا ودموية واستنزافا في تاريخ الحروب الحديثة اذ جاء التدخل الغربي الامريكي في افغانستان في اعقاب ، هجمات 11 سبتمبر بهدف القضاء على الإرهاب وإرساء قواعد الديمقراطية خاصة مع تنامي نفوذ حركة طالبان المتمردة وسيطرتها على مفاصل الدولة في أفغانستان . ونجح الامريكان في تشكيل حكومة برئاسة حامد قرضاي مقابل انحسار سيطرة «طالبان» إلا ان مخلفات هذا التدخل لم تختف الى اليوم مع استمرار الحرب هناك وعودة تنظيمات اخرى للنشاط بالإضافة لطالبان على غرار تنظيم «داعش» الارهابي الذي تبنى عدة هجمات دامية اخرها هجوم الحي الدبلوماسي اول امس.

التدخل الامريكي سنة 2001 كان مقررا له ان يستمر عاما واحدا الى حين تشكيل حكومة إلا ان الولايات المتّحدة الأمريكية لم تستطع الى اليوم الانسحاب كليا من «ارض الحرب» نتيجة عدة اعتبارات. ورغم اختلاف سياسات الادارة البيضاوية من عهد بوش المندفع الى عهد أوباما المتردّد وصولا الى عهد ترامب الذي تتسم سياسته في أفغانستان بعدم الوضوح الى الان ففي بداية حملته الانتخابية قال ترامب انّ قوّات بلاده يجب ان تغادر نهائيا أفغانستان الا انها لم تستطع ذلك وحافظت على وجود مايقارب الـ8 الاف جندي من قواتها هناك، كما ان القصف الذي نفذته امريكا مؤخرا باستعمال اخطر قنبلة في العالم وتسمى بـ«أم القنابل» في افريل المنقضي مستهدفة ما قالت انه مواقع تنظيمات متطرّفة في أفغانستان، بزيد من غموض الخطوة القادمة التي قد تتخذها الولايات المتحدة الامريكية في قادم الايام بتعلة محاربة الارهاب هناك. ويستبعد متابعون للمشهد الدولي ان تنسحب امريكا نهائيا من افغانستان خشية عودة نفوذ روسيا هناك لإعادة مجد الاتحاد السوفياتي الذي تواجد هناك لعقود طويلة .

افغانستان والصراع الاقليمي الدولي
من جهته قال الكاتب العراقي ثائر عبطان حسين المختص في الشؤون الدولية ان الإنفجار المُدوي الذي هزّ قلب العاصمة الأفغانية «كابُل» واستهدف شارعاً يحوي مجموعة سفارات غربية وعربية منضوية تحت راية التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن بمعزل عن الصراع الدموي الإقليمي والدولي القائم على الأراضي الأفغانية ، وقد وقع الانفجار في ضاحية وزير أكبر خان القريبة جدا للعديد من السفارات الأجنبية والمباني الحكومية الحساسة بما فيها القصر الرئاسي ومبنى وزارة الخارجية الأفغانية ، مما يُشير أولا ، ويدلُّ ثانية على حجم الخرق الأمني والاستخباري للأجهزة الأمنية الافغانية التي تشرف على تدريبها الولايات المتحدة الأمريكية .

واشار عبطان حسين الى ان السفارة الألمانية التي نالت الضرر الأكبر من الانفجار والذي جاء بُعيد انتهاء قمة ال G7 في صقلية الإيطالية- والتي انتهت بخلافات عميقة بين الولايات المتحدة الامريكية من جهة وألمانيا وحليفاتها الأوربيات من جهة أخرى حول دور «الناتو» وشؤون المناخ، تكون قد استلمت رسالة مزدوجة الهدف والمعنى وفق تعبيره ، مضيفا انّ الإشارة الأولى من الجماعات المسلحة الرافضة للوجود الامريكي والأوروبي بضرورة رحيل قواتها العسكرية من الأراضي الأفغانية ، والثانية من إدارة ترامب الجديدة ، والتي لا تحتمل تأخيرا في طلبها بوجوب دفع ألمانيا مئات الملايين من الدولارات ان لم تكن بالمليارات كمستحقات عليها لصالح «الناتو» الذي تتزعمه وتموّله بشكل أساسي الولايات المتحدة الأمريكية .

واعتبر محدّثنا أن الدلائل تشير الى صعوبة الموقف الألماني من الإختيارين ، انسحابها من التحالف العسكري في افغانستان يبدو وشيكا بعد تدهور علاقاتها مع تركيا على جميع الصعد وتلويحها بسحب قواتها العسكرية المتمركزة في قاعدة أنجيرليك أثر منع تركيا لنواب من البرلمان الألماني من زيارة وتفقد الجنود الألمان هناك ، إضافة الى الخسائر المتوالية بالأرواح والمعدات ، يرافق ذلك تدهور أمني وسياسي أفغاني وسيره من سيّء الى أسوء وفق تعبيره .

وتابع الكاتب العراقي «تلعب روسيا الإتحادية دوراً كبيرا في دفع ألمانيا الى حضن الناتو والولايات المتحدة نظرا لتمدد نفوذها في أوكرانيا وبعض اجزاء أوروبا الغربية ، علاوة على دورها المتفرد والقوي في رسم سياسات الشرق الأوسط بالتنسيق مع الصين ، مما يعني حرمانها من الوصول الى أغنى الاسواق العالمية ذات الثروات الإحتياطية الهائلة» .

استراتجية أمريكا في كابول
واعتبر محدّثنا ان «استراتجية أمريكا ، وبعد خسائرها المتوالية على الارض وسحب قواتها العسكرية من العراق وجُلّ جنودها في أفغانستان والإبقاء فقط على ما يقارب الثمانية آلاف جندي ، أدركت مؤخرا خطورة الوضع الأمني والعسكري هناك ، والذي تجلّى في تمدد نفوذ الدب الروسي والعملاق الإقليمي الإيراني في العراق ، وسوريا ، ولبنان ، واليمن ، ومن ثم الالتفاف على أفغانستان ، كل ذلك ، دفعها الى إنشاء فرع لـ«داعش» في أفغانستان لمحاربة تنظيم « طالبان « والذي تشير مُعظم التقارير الإستخباراتية بأنه بات مدعوما من روسيا ، وإيران ، بل وحتى من الصين للاقتصاص من الولايات المتحدة التي عملت على تأسيس تنظيم «القاعدة» ومدّه بالمال والسلاح والإشراف على معسكرات تدريبه بقيادة أسامة بن لادن بعد العام 1988 في محاربة الاتحاد السوڤييتي السابق وتكبيده خسائر فادحة في الأرواح والمعدات ، ومن ثم إخراج قواته المتقهقرة بُعيد منتصف عقد التسعينات من القرن المنصرم ، وها هي روسيا الآن تعيد الصفعة لأمريكا بإغراقها في وحل المستنقع الأفغاني من جديد.»

وعن اتهام حكومة افغانستان لشبكة حقاني بالضلوع في الهجوم رغم تبني تنظيم «داعش» الارهابي اجاب محدّثنا ان حركة «طالبان» والتي نأت بنفسها عن تفجير كابل الدموي الأخير ، وتوجيه أصابع الإتهام الى شبكة «حقاني» المدعومة من السلطات الباكستانية المعادية لحكومة «كابل» التي تؤيدها الولايات المتحدة الامريكية ، والخلافات الحدودية المشتعلة بين الجارتين ،على مدى العقود الأربعة الأخيرة ، بوجود تقارير استخباراتية محلية واقليمية، يشير الى ان ثمانين بالمائة من أسلحة حركة طالبان هي أسلحة أمريكية سلمتها القوات الحكومية الأفغانية الى الحركة لتعاطف هؤلاء الجنود معها ، وخير مثال على ذلك قاعدة « قندوز» العسكرية التي تواطأت القوات الحكومية الأفغانية في تسليمها لحركة «طالبان» في وقت ليس بعيد من الآن .

أرض الحرب المستمرة
وأضاف محدّثنا أن أمريكا اليوم « ضعيفة» في مواجهة مُحتدمة ومصيرية ، لإثبات النفوذ والوجود ، إزاء قوة روسيا العسكرية المتعاظمة ، والمدعومة بقوة إقليمية عظمى لا تقل أهمية عنها أيضا وهي « ايران « علاوة على وجود العملاق الصيني ودعمه لروسيا وإيران في مواجهتهما لإنزال الهزيمة بالولايات المتحدة الامريكية بجولتها الثانية ، بعد أن خسرت أمريكا حربها الكونية في جولتها الاولى في ايران و سوريا والعراق ولبنان واليمن . واعتبر محدّثنا ان الوضع السياسي والأمني في المنطقة يسير من السيء الى الأسوء بالنسبة للولايات المتحدة وحليفاتها في المنطقة ستتحول نتيجته أفغانستان الى ساحة حرب طاحنة ، عُدت أسلحتها بالمليارات ، وهدفها ايران اولا ، وروسيا ثانيا ، مما يجعل من سياستها القادمة عصيّة على الرسم والتخطيط ، وأعذب خياراتها مُرًّا على حدّ تعبيره.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115