كوريا الجنوبية.. شعب ينجز ويبهر على أصوات التفجيرات وتهديدات الصواريخ الموجهة

لقد أرهق الوضع الإقتصادي والإجتماعي المتردي جل التونسيين بعد أن عجزوا طيلة السنوات الست الماضية عن إيجاد المعادلة الكفيلة بتحقيق التنمية الشاملة و توفير الفرص لكل أبناء الخضراء لضمان العيش الكريم، خاصة وأن تونس ليست دولة فقيرة من الموارد الطبيعية ولديها

إقتصاد متنوع المصادر مع عدد محدود من السكان. وبالتالي لا يبدو التونسيون بحاجة إلى ثروات طبيعية هائلة كتلك التي لدى الجيران لتحقيق ما يصبون إليه، فالمتوفر كاف للنهوض و بإقرار العارفين بإمكانيات هذا البلد. فهناك أمم عديدة في عالمنا الرحب و الفسيح بعيدا عن باريس وروما، اللذين لا يبدو أننا نعرف من عواصم العالم سواهما، لا تمتلك موارد طاقية و منجمية كبرى استطاعت أن تنهض وتصعد في سلم المجد و تشد إليها الأنظار بفضل عبقرية أبنائها لا غير.

وتنتشر هذه الأمم في شتى أرجاء المعمورة وفي مختلف القارات، و تبدو تجاربها بحاجة إلى الدرس لاستخلاص العبر. و من بين الأمم الناهضة التي اقتحمت القرن الحادي و العشرين من أوسع ابوابه، بثقة كبيرة بالنفس و القدرات، رغم الشح من الموارد الطبيعية، يمكن ذكر الأورغواي في أمريكا اللاتينية، و رواندا التي تنتمي إلى قارتنا الإفريقية. بالإضافة إلى أمم أخرى تنتمي إلى العالم الآسيوي، إن صح التعبير، على غرار ماليزيا و تايوان و سنغافورة و أيضا كوريا الجنوبية وغيرها. فسيول التي نرتبط معها بعلاقات متينة في تونس يسودها الود و الإحترام المتبادل، هي قصة نجاج مبهرة تستحق الإشادة بالمنجز طيلة العقود الستة الماضية، كما تستحق أيضا تسليط الضوء للإستفادة من تجربتها الرائدة التي لم تعتمد لا على ثروات طبيعية أو هبات مالية ضخمة أو غيرها، و إنما كان عمادها قدرات ذاتية وإيمان راسخ بقدرة البشر على الفعل، و عزم فولاذي على تجاوز مخلفات الماضي و من ذلك الإستعمار الياباني و الحرب الكورية بداية خمسينات القرن العشرين و انتفاضة 18 ماي 1980 من أجل الحرية و الديمقراطية. لقد مرت كوريا الجنوبية التي يفوق عدد سكانها الذي

ينتشر على رقعة جغرافية يقل حجمها على عموم مساحة البلاد التونسية الستين مليونا، و التي لديها شحا في الموارد الطاقية، بتجارب مريرة في تاريخها المعاصر لم تزد شعبها إلا قوة و صلابة ورغبة في التحدي. في حين كسرت هذه التجارب السيئة شوكة أمم أخرى، وأحبطت العزائم وأعاقت الأنفس المهزومة والمنكسرة على المضي قدما في طريق الرقي و التقدم و الإزدهار. لقد شبه البعض كوريا الجنوبية، التي ينبهر بها زوارها من العالمين المتقدم و المتخلف عن ركب الحضارة، على حد سواء و يتقاربون مع أبنائها في شتى المجالات، بطائر الفينيق الذي يخرج سليما معافى من الأزمات و أشد بأسا و سطوة من ذي قبل. فالمؤسسات العملاقة و الشركات الكبرى التي تكتسح الأسواق العالمية بمنتوجاتها، أنشئت مباشرة بعد الحرب الكورية، والتظاهرات الرياضية الكبرى على غرار الألعاب الأولمبية تم تنظيمها بعد انتفاضة 18 ماي 1980 التي أطاحت بالحكم العسكري ورسخت الديمقراطية. ولأن البعض قد تحجج بعدم استقرار الوضع الإقليمي للإفلات من استحقاقات التنمية، على غرار أبناء جلدتنا، فإن ما تجدر الإشارة إليه أن كوريا الجنوبية حققت كل تلك النجاحات

على اصوات التهديد والوعيد من الجار الشمالي ولم يتذرع شعبها ولا حكامها يوما بتهديدات بيونغ يانغ المستمرة للتكاسل و الخمول مثلما يحصل في اوطاننا... وفي ذلك عبرة لأولي الألباب ولمن كانوا في عداد العقلاء. فمنطقة البحر الأصفر هي من بؤر التوتر التي لا تهدأ في هذا العالم وقد شهدت حربا كورية مدمرة بداية خمسينات القرن الماضي، كما كانت ساحة رئيسية من ساحات الحرب الباردة إلى حدود إنهيار الإتحاد السوفياتي السابق نهاية ثمانينات القرن العشرين. وفي هذه المنطقة قواعد عسكرية أجنبية، ومنافسة شرسة بين القوى الكبرى، ونظام كوري شمالي «مجنون» حددت له القوى الإقليمية والدولية الحدود التي وجب أن يتحرك داخلها ويمنع عنه تجاوزها باعتباره الشرطي الذي يضطلع بدور ترهيب كل من كوريا الجنوبية واليابان لطلب الحماية باستمرار من الولايات المتحدة الراغبة في إبقاء

قواعدها وهيمنتها على المنطقة التي تشهد اليوم تنافسا إقتصاديا ومخابراتيا شرسا مع الصين. إن ما يحصل في شبه الجزيرة الكورية يجب أن يثير اهتمامنا باعتبار أن عالمنا بات بفضل تطور وسائل النقل البحري والجوي وبفضل التكنولوجيا ووسائل الإتصال الحديثة، قرية

صغيرة يتفاعل مع بعضه البعض وتؤثر أطرافه الفاعلة فيما بينها وتؤثر. فهناك، وفي تلك الأرض القصية، قصة نجاح جديرة بالاهتمام والمتابعة وهناك مصالح متبادلة بين الشعوب و تعاون لا يقيم وزنا للمسافات التي كانت في الماضي السحيق عائقا حقيقيا على التواصل، أو ليست إحدى الشركات الكورية العملاقة تحتل اليوم الصدارة في مبيعات السيارات في سوقنا المحلية رغم عائق المسافات؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115