ما يمكن أن ننتظره من الرئاسة الفرنسية الجديدة؟

مع انتخاب الرئيس الجديد لفرنسا تدخل «السياسة العربية» الفرنسية منعرجا تاريخيا بحكم أن أيا من المرشحين، إيمانويل مكرون و مارين لوبان، سوف يدخل لأول مرة قصر الإيليزي دون أن يمثل حزبا تاريخيا له عادات

و تقاليد دبلوماسية واضحة.

وإن كانت للدولة الفرنسية ثوابتها في المنطقة العربية و في منطقة المغرب العربي بالحدود، فإن متغيرات المنطقة إثر اندلاع «الثورات العربية» و تحولها إلى صراعات إقليمية حتمت تغيرات على المستوى العسكري والإستراتيجي يمكن أن تتغير باعتبار من سيترأس الدولة الفرنسية يوم 8 ماي 2017.

مارين لوبان و الحلف الروسي
المعروف لدى العام و الخاص أن مارين لوبان ليس لها سياسة نحو المنطقة العربية سوى الشعارات التي تحملها الجبهة الوطنية المتطرفة التي أسسها أبوها جون ماري لوبان. وتقوم هذه المبادئ على غلق الحدود الفرنسية و إيقاف الهجرة و طرد المهاجرين و سن قوانين ضد الأجانب و الخروج من الإتحاد الأوروبي في تلك الحالة سوف تجد منطقة المغرب العربي التي لها علاقات تبادل اقتصادي في مأزق سياسي لانها سوف تضطر لتغيير المعاهدات التي تربطها بهذه الأخيرة . وهو ، حسب الخبراء الدوليين، عبارة عن «بريكسيت» مغاربي. فخروج فرنسا من الإتحاد الأوروبي يجر بالضرورة عمليا الى ترتيب العلاقات مع فرنسا وأوروبا في آن واحد بدون أن نتحكم في تبعاته السلبية. هذا السيناريو له حظوظ ضئيلة بحكم تأخر مارين لوبان في السباق أمام مكرون.
من ناحية أخرى قرب مارين لوبان من روسيا و من فلاديمير بوتن بالخصوص سوف يغير في نوعية الدبلوماسية الفرنسية و في تحالفاتها مما يدخل العلاقات مع المنطقة العربية في متاهات الصراعات القائمة في الشرق الأوسط و في ليبيا حيث ثبتت مطامع روسيا فيها, التحالف الفرنسي الروسي في سيناريو لوبان يغير حتما طبيعة التوازنات في المنطقة التي تحكمها سباقات على الهيمنة الإقليمية بين المحور السني بقيادة العربية السعودية و المحور الشيعي بقيادة إيران و المحور القومي بقيادة روسيا و التحالف الدولي ضد الإرهاب و غيرهم من الجماعات الإخوانية التي ترتع في الأراضي العربية.

مكرون مرشح المغاربيين
حسب مختلف استطلاعات الرأي جزء كبير من الناخبين من أصل مغاربي سوف يصوتون لصالح إيمانويل مكرون. وهو سند واضح من اجل تمادي العلاقات الفرنسية العربية التقليدية مع اعتبار التقلبات الناجمة عن تبعات الربيع العربي.و قد عبر إيمانويل مكرون في عديد المناسبات عن «قربه» من المسائل المشتركة بين فرنسا و العالم العربي. و إن لم يبلور مكرون سياسة واضحة تجاه العرب فإن زياراته الأخيرة للجزائر و لتونس كانت محل نظر من برامج الحملة الإنتخابية.

اعتبار أن «الإستعمار ضرب من ضروب الإجرام ضد الإنسانية» أشار بوضوح إلى الموقف من الماضي المشترك الفرنسي الجزائري والمغاربي و في نفس الوقتدعا إلى طي صفحة الماضي و الدخول في شراكة عقلانية على أسس جديدة. زيارة مكرون لتونس في إطار التحضيرات للمؤتمر الدولي لمساندة التنمية في تونس اعتبرها الخبراء رمزا لاهتمامه بالبعد التنموي لمنطقة جنوب المتوسط وللدعم الفعال من أجل استقرار تونس و المنطقة المغاربية التي هي البوابة الأولى نحو أوروبأ.

هل يعني أن إيمانويل مكرون سوف يقدم على تغيير الإستراتيجيات المتبعة إلى الآن؟الأمر ليس بالوضوح المطلوب. لكن كل تلك البوادر تقطع مع الغموض السائد في العلاقة مع ملف الإستعمار و العلاقات الإقتصادية و التنموية مع جيران الجنوب.على المستوى الداخلي، المجموعة العربية الإسلامية التي تعد أربعة أجيال من المقيمين و من المواطنين الفرنسيين أصبحت محل أنظار الجميع بسبب تفشي ظاهرة الإرهاب الإسلامي في صفوفها. و قد عبر مكرون، خلافا لمقترحات لوبان، أنه سوف يكون صارما في تعامله مع الإرهاب الإسلامي لكن بدون التعميم و الخلط بين الإرهابي و المسلم. بل اعتبر أن مشاركة العرب و المسلمين الفرنسيين في نحت «اسلام فرنسي» هو عمادة الحلول المنتظرة للمسألة الإرهابية. وهو في طبيعة السياسات الإقليمية دلالة على توجه وحدوي لا يرمي إلى تقسيم المجتمع الفرنسي بل إلى توحيده حول أهداف مشتركة تساهم في تحقيقها كل الفعاليات السياسية و الثقافية و الفكرية و قوى المجتمع المدني.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115