«ملونشون» لوبان أو صراع الأجنحة المتطرفة

يتلذذ بعض المحللين السياسيين الفرنسيين في الحديث عن فرضية منازلة رئاسية نهائية بين زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبين وبين جان لوك ملونشون زعيم اليسار المتطرف. والأسباب التي تقف وراء هذه التوقعات تكمن في الصمود الذي أبدته مارين لوبين في استطلاعات

الرأي التي ضمنت لها بالإجماع تأهلا للدورة الثانية بالرغم من كل التقلبات وتكمن ايضا في الاختراق الذي حققه مؤخرا جان لوك ملونشون عندما استطاع ان يتجاوز مرشح الحزب الاشتراكي بونوا هامون وأن يقترب من مرشح اليمين التقليدي فرانسوا فيون ويحتل المرتبة الثالثة في بعض الأحيان.

وقد شكل جان لوك ملونشون مفاجأة الأيام الاخيرة من هذه الانتخابات الرئاسية الفرنسية ونجح في فرض نفسه كرقم لا يمكن تجاهله في المعادلة الانتخابية. وقد لخص بعضهم سر نجاحه في الاسباب التالية. ان ملونشون استخدم بذكاء ودهاء شبكات التواصل الاجتماعي لإعطاء زخم غير مسبوق لحملته. وانه استطاع نزع عدوانيته المعروفة من خطابه السياسي وجعله أكثر قبولا من طرف شرائح واسعة من الرأي العام الفرنسي. ،و اخيراً انه استفاد بقوة من الأداء الباهت لمرشح الحزب الاشتراكي الذي أضعفته سلسلة خيانات من عائلته السياسية التي فضلت الالتحاق و مبايعة مرشح الوسط ايمانويل ماكرون.

ان تصل رهانات هذه الانتخابات الى إمكانية حصول هذه المواجهة النهائية بين رموز التطرف السياسي في فرنسا مؤشر على المنحى الذي أخذته هذه الحملة والدلالات السياسة للمجتمع الفرنسي الذي أصبح يعيش نوعا من التغيير الجذري في مقارباته السياسة. وهذا غير السيناريو المسبوق يؤشر الى نهاية الأحزاب التقليدية التي لطالما كانت لها الكلمة الاخيرة في صناعة المرشحين و ضمان الأغلبية الحزبية. فالحزب الاشتراكي الغارق في تناقضاته الداخلية عبر عن عجزه في عملية التعبئة وراء مرشحه الرسمي بسبب خلافات حول المشروع السياسي والشخصية / بونوا هامون / التي تحمله. أمّا حزب الجمهوريين الغارق هو ايضا في مستنقع فضائح غطت على حملة فرانسوا فيون الانتخابية فهو ايضا معرض للمساءلة السياسية عبر اعادة هيكلة عائلته.

الاختراق الانتخابي الذي تحققه داخل المجتمع الفرنسي هذه الأحزاب المتطرفة يعكس تجاوبه مع رياح الشعبوية التي تهب على العالم منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ووصول دونالد ترامب الي البيت الابيض. وقد دفعت هذه الفرضية بعض الفعاليات إلىّ دق ناقوس الخطر مثل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي أعطى الانطباع آنه سينزل بكل ثقله لمنع وقوع هذا السيناريو ومنع الرموز المتطرفة اليمينية او اليسارية من الوصول الى سدة الحكم. ويوحي هذا السيناريو ايضا ان المنظومة التقليدية الحزبية انهارت كليا كما انهار ايضا رجل مثل إيمانويل ماكرون الذي يتهمه منافسوه بأنه لا يعدو كونه فرقعة اعلامية ستتبخر مع ارتطامها بواقع الساعات الاخيرة من هذه الحملة الانتخابية

مصطفى الطوسة
كاتب سياسي مغربي

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115