منبر: اللاجئون... وحق العودة (4)

سميح شبيب باحث وكاتب فلسطيني رئيس تحرير مجلة « شؤون فلسطينية»
يقدم الباحث والكاتب الفلسطيني سميح شبيب دراسة معمقة عن اللاجئين وحق

العودة وتنشر « المغرب» على حلقات اجزاء من هذا الدراسة ..

يرمي هذا البحث، إلى التعريف بقضية اللاجئين والفلسطينيين، الذين هجروا عن ديارهم في العام 1948، وحقهم في العودة وموقف إسرائيل من هذا الحق، عبر مراحل مختلفة، وعبر رؤى مختلفة أيضاً.ويستعرض البحث، مفهوم حق العودة، ويتطرق، للقرارات الدولية الخاصة بذلك.ويتطرق البحث، لموضوع اللاجئين ما بعد الاتفاق الفلسطيني- الإسرائيلي.

اللاجئون ما بعد الاتفاق الفلسطيني- الإسرائيلي
اعترف الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي ببعضهما البعض، مع الإقرار بوجود حالات عالقة، في المقدمة منها قضية اللاجئين. وفي الوقت الذي بقيت هذه القضية مغيبة ومبهمة، خلال فترة 1948 - 1993، عادت وبرزت إلى الوجود، وتم طرحها بقوة على مائدة البحث، رغم صدور ثلاثين قراراً عن الأمم المتحدة، تؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض. استخدمت الولايات المتحدة في كل مرة، حق النقض لإبطال هذه القرارات التي تدين إسرائيل.

قامت الولايات المتحدة في مؤتمر مدريد 1991، بتقسيم المحادثات بين العرب وإسرائيل إلى مسارين، الأول: محادثات ثنائية تجري بين أطراف النزاع العربية (لبنان، سوريا، الأردن، فلسطين) والثاني: محادثات متعددة الأطراف تتناول المواضيع الرئيسية التي يتطلب حلها تعاون جميع الأطراف. وكان نصيب قضية اللاجئين في محادثات متعددة الأطراف، التي بدأت في موسكو، جانفي (يناير) 1992، وتشكلت فيها مجموعة عمل اللاجئين، وأوكلت إليها المهام التالية: تكوين قاعدة البيانات الأساسية المتعلقة باللاجئين، ولم شمل الأُسر الفلسطينية، وتنمية المصادر البشرية، والتدريب المهني وخلق فرص العمل، والصحة العامة، ورعاية الطفولة، والبنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية، وتم تكليف، عدة دول، برعاية كل نقطة من هذه النقاط وفقاً للاحتياجات وإعداد التقارير، وهذه الدول هي: النرويج، وفرنسا، وأمريكا، وإيطاليا، والسويد، والاتحاد الأوروبي.

عقدت مجموعة عمل اللاجئين ثماني جلسات، قاطعت إسرائيل ثاني اجتماعاتها، المنعقد في أوتاوا-كندا. ماي (مايو) 1992، كما قاطعت اجتماعات اللجنة، عند مناقشة، لم الشمل، وبعد ذلك قاطعت جامعة الدول العربية، الاجتماعات المتعددة الأطراف، احتجاجاً على عدم جدية الطرف الإسرائيلي.

في المفاوضات السرية الفلسطينية- الإسرائيلية، بخصوص إعلان أوسلو، تم تأجيل مناقشة قضية اللاجئين، وعند الإعلان عن الاتفاق الفلسطيني-الإسرائيلي، أدرجت قضية اللاجئين مع قضايا الحل النهائي. تشكلت لجنة تحضيرية رباعية تعمل خلال المرحلة الانتقالية، لاستكمال أعمال مجموعة عمل متعددة الأطراف، المنبثقة عن محادثات مدريد، ووفقاً لإعلان المبادئ، فقد تم تكوين اللجنة المذكورة من إسرائيل والسلطة الفلسطينية، والأردن ومصر.

برز خلال فترة ما بعد إعلان الاتفاق الفلسطيني- الإسرائيلي، موقفان إزاء قضية اللاجئين، الموقف الفلسطيني والموقف الإسرائيلي. وتبلورت الخطوط الحمراء للموقف الفلسطيني عبر النقاط التالية:
- الالتزام بحق العودة للاجئين الفلسطينيين في كافة مراحل لجوئهم.
- حق التعويض للاجئين.
- الالتزام بمقررات الشرعية الدولية كأساس لحل هذه القضية، ولا سيما قرار الأمم المتحدة، رقم 194 الصادر في 11 /12 /1948.

وبالمقابل تبلور الموقف الإسرائيلي برفض «حق العودة» رفضاً مطلقاً، أكان ذلك للاجئين أم النازحين على حد سواء. وهنالك ما يشبه الإجماع الإسرائيلي حول هذه النقطة، على اعتبار أن استخدام هذا الحق، يعني تدمير الدولة العبرية، وإلغاء هويتها وكيانها. ذلك أن مشروعية عودة اللاجئين، سيكون له كبير الأثر على التركيبة السكانية الإسرائيلية، عبر تلاقيهم مع إخوانهم في الداخل، والبالغ عددهم زهاء المليون نسمة، وكذلك تحالفهم مع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والبالغ عددهم ثلاثة ملايين ونيفاً. كما اتسم الموقف الإسرائيلي في مسألة دفع التعويضات للاجئين الفلسطينيين بالتحفظ، وربط ذلك، بدفع تعويضات متعادلة لليهود من الدول العربية، والذين غادروها إلى إسرائيل! إلى ذلك، طرحت إسرائيل، نقاطاً لتسوية قضية اللاجئين، أبرزها:

- اعتبار العودة، قضية إنسانية وليست سياسية.
- ضرورة تحسين الأوضاع المعيشية للاجئين في أماكن لجوئهم، عبر صندوق دولي، قد تساهم فيه إسرائيل.
- العمل على توطين اللاجئين حيث هم، عبر اتفاقات دولية.

تأسيساً على ما سبق، فمن الواضح أن الموقف الإسرائيلي إزاء قضية اللاجئين، يتمتع بتأييد إسرائيلي واسع، ومن الصعب وضع احتمالات مستقبلية بشأن تغيير جدي في هذا المفهوم إسرائيلياً، ذلك أن قيام الدولة الإسرائيلية، فوق الأراضي التاريخية الفلسطينية، واستقدام مهاجرين من دول العالم، بدلاً عن السكان الأصليين، من شأنه أن يفضي إلى الموقف الرسمي الإسرائيلي، وبالتالي فإن حالة التحسس الشعبي الفلسطيني داخل إسرائيل، لمعنى قيام الدولة العبرية، وما شكله ذلك من حالة نكبة فلسطينية من شأنه أن يفضي بدوره، لأشكال من الصراع يطال جوهر الأمور، وعلى هامش ذلك يمكن فهم وثيقة سبق وأن صدرت عن مؤتمر هرتسليا تدعو صراحة للترانسفير، وتحذر من مخاطر الوجود العربي الفلسطيني في إسرائيل، بعدما سقطت مناهج الأسرلة.

حق العودة، هو حق شخصي وتاريخي وقانوني. لا يتمكن أحد من إسقاطه أو إلغائه. محاولات إسرائيل المتتالية، التي حاولت طمسه ومن ثم تجاوزه، باءت بفشل ذريع. إسرائيل تدرك ذلك، لكنها لا تتمكن من التعامل معه على نحو سياسي معقول. ودون تسوية هذا الأمر، على نحو عادل ومقبول من الأطراف جميعاً، سيبقى عائقاً أمام أي تسوية شاملة ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على حد سواء.

إن حق العودة، إضافة إلى أنه حق ثابت، تكفله القوانين الدولية وقرارات الشرعية الدولية، فإنه حق يحتاج إلى ثقافة العودة، وبناء مؤسسات تلك الثقافة. هنالك جزء من الشعب الفلسطيني يعيش في إسرائيل، وإجراءاتها تهدف إلى أسرلته، وهنالك جزء آخر، لا يزال يعاني من موروثات الاحتلال والحصار في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهنالك جزء ثالث لاجئ في سوريا ولبنان ومصر والعراق، يعيش تحت قوانين وأنظمة تلك الدول، وهو معرض بشكل أو بآخر لفقدان هويته الوطنية، والابتعاد رويداً رويداً عن حق العودة، وهنالك جزء هام في الأمريكيتين وأوروبا، خاصة الدول الإسكندنافية.

لا يكفي، والحالة هذه، أن نقول بحق العودة، وأن نشدد على شعار حق العودة، دون ممارسته ثقافياً وحضارياً.

حق العودة، يحتاج إلى ثقافة خاصة به. ليورث من جيل إلى جيل، ولعل من أشكال تلك الثقافة الناجعة، التواصل ما بين الخارج والداخل، وقد حدث ذلك في نهايات القرن الماضي، وأعطى نتائج إيجابية، كتواصل أهالي صفورية في الخارج، مع أهلهم في صفورية التاريخية. لعله من المجدي، تأسيس وتكوين مؤسسات أهلية، لتجمع وبالتواصل ووسائله الحديثة والقديمة في آن، ما بين سكان المدن الفلسطينية، يافا، وحيفا، وصفد وعكا وغيرها من المدن والبلدات والقرى، ما بين الداخل والخارج، وعقد مؤتمرات تجمعهم في عاصمة عربية أو أوروبية.

من شأن ذلك، الابقاء على جذوة حق العودة، حية وقائمة ومتجددة.
ومن الوسائل الثقافية الناجعة، التمسك بالملابس الشعبية الفلسطينية، في المناسبات الاجتماعية، إضافة لأشكال الفنون كافة، ومنها الرقص الشعبي. هنالك وسائل ثقافية متعددة، تستدعيها الهوية الوطنية الفلسطينية، ومن شأنها تعزيز حق العودة، وهي تحتاج لجهود دؤوبة وصادقة وشعبية في آن.

خلاصة واستنتاجات
حق العودة، هو حق شخصي وتاريخي وقانوني في آن، ولا يستطيع أحد، أن يسقطه أو يتجاوزه بأية حالة من الأحوال. ونظراً لتشتت الفلسطينيين في دول عربية، وأخرى أوروبية، فإن حق العودة، يأخذ بعداً وجودياً، يتعلق بالحفاظ على الهوية الوطنية، وتغذية الانتماء الوطني، خاصة في الدول الأوروبية والأمريكيتين.
تقترح هذه الدراسة،

• إنشاء، مركز متخصص، بشؤون اللاجئين وحق العودة تجمع فيه الأدبيات والمصادر كالوثائق، الكتب والمجلات والدوريات ومواقع الإنترنت المتصلة باللاجئين الفلسطينيين، ووضع كل ذلك في مكتبة وطنية عامة حتى تكون ملاذاً للباحثين والخبراء وطلبة الجامعات، ومصدراً لمعلومات بحوثهم.
• إجراء البحوث والدراسات العلمية والموضوعية الجادة التي تبين علاقة إسرائيل مع الدول الكبرى، وكيف استفاد اليهود من علاقاتهم الدولية المتشعبة مما ساهم في النهاية في ضياع فلسطين، لكي يستفاد من ذلك في نسج نظرية علاقات دولية واقعية تبين للعرب وللفلسطينيين دهاليز السياسة الدولية.
• كشف العلاقات الوثيقة بين اللوبي اليهودي والإدارات الأمريكية المختلفة، ودور اللوبي اليهودي في تسيير السياسات الأمريكية.
• عمل شراكات علمية وفكرية وبحثية بين المهتمين العرب والفلسطينيين من جهة، ونظرائهم الأوروبيين والأميركيين من جهة أخرى حتى يتم إنتاج أعمال فكرية وبحثية تخص اللاجئين الفلسطينيين.
• تدريس مساقات كاملة حول اللجوء والشتات ومعاناة اللاجئين الفلسطينيين وأماكن تواجدهم، وتشجيع طلبة الجامعات والدراسات العليا لكتابة اطروحاتهم في هذا الموضوع.
• إعادة ترتيب مواضيع وقضايا اللاجئين بشكل علمي، على أن تكون جزءاً من المنهاج الوطني الفلسطيني، وبخاصة العلوم الإنسانية والاجتماعية من أجل تعليم الجيل الحالي ظروف هذه المأساة الإنسانية.
• التمسك بحق العودة من خلال التمسك بالقرار 194 مهما كانت الضغوط الممارسة على الجانب الفلسطيني على طاولة المفاوضات.

انتهى

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115