منبر: اللاجئون... وحق العودة (2)

سميح شبيب باحث وكاتب فلسطيني رئيس تحرير مجلة « شؤون فلسطينية»
يقدم الباحث والكاتب الفلسطيني سميح شبيب دراسة معمقة عن اللاجئين وحق العودة

وتنشر «المغرب» على حلقات اجزاء من هذا الدراسة وذلك مواكبة لاحتفالات ذكرى يوم الارض ..

يرمي هذا البحث، إلى تعريف قضية اللاجئين والفلسطينيين الذين هجروا عن ديارهم في العام 1948، وحقهم في العودة وموقف إسرائيل من هذا الحق، عبر مراحل مختلفة، وعبر رؤى مختلفة أيضاً.ويستعرض البحث، مفهوم حق العودة، ويتطرق، للقرارات الدولية الخاصة بذلك.ويتطرق البحث، لموضوع اللاجئين ما بعد الاتفاق الفلسطيني- الإسرائيلي.

اللاجئون: تفسير «إسرائيلي»
عزت إسرائيل، بروز مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وتهجيرهم إلى دخول القوات العربية إلى فلسطين بعد الخامس عشر من أيار (مايو) 1948 ذلك أن الأرقام الدقيقة تشير إلى أن ما يقارب نصف عدد اللاجئين سبق له وأن هجر من دياره قبل ذلك التاريخ، كنتيجة مباشرة لعمليات الإرهاب الصهيونية، ونشر الرعب في صفوف السكان الآمنين تنفيذاً لمخطط صهيوني، عرف باسم «خطة دالت» القائمة أساساً على تهجير السكان الفلسطينيين، وبالتالي مسح قراهم ومدنهم، وإنشاء مستوطنات جديدة بدلاً منها، عبر مخطط تغيير المعالم الجغرافية والبشرية في فلسطين. وما أن تحقق هدف التهجير في العام 1948، حتى سارعت إسرائيل إلى تدمير ما يقارب 400 قرية ما بين عامي 1948 - 1952 بهدف تغليب الصفة اليهودية في فلسطين سكانياً وثقافياً وحضارياً وتحويل العرب إلى أقلية لا تزيد نسبتها عن 16 % فقط، في وقت لم يزد عدد اليهود، حتى العام 1947، عام صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، على 650,000 يهودي لا يمتلكون أكثر من 7 % من مساحة أراضي فلسطين، وغداة حرب 1948، وتهجير الفلسطينيين عنوة من ديارهم، سيطرت إسرائيل على 78 % من فلسطين، ولم يبق من السكان الفلسطينيين البالغ عددهم نحو مليون مواطن سوى 150,000 مواطن فقط**.

لم يأت تنفيذ مخطط الترحيل فجأة، بل إنه اعتمد على جملة مخططات سابقة تمتد عملياً إلى ما قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل 1897، وترمي تلك المخططات جميعها إلى استقدام يهود العالم إلى فلسطين، والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية كافة، وترحيل سكانها، ذلك في نظر القادة الصهاينة جميعاً، بدءاً من بنسكر إلى بن غوريون وصولاً إلى زعامات معاصرة، أن الفلسطينيين هم بداوة ليس إلا. ولعل جوهر فلسفة الترانسفير، ومحاولة ترحيل ما تبقى من الفلسطينيين عن ديارهم، مثّل مكنونات تلك الرؤية وأبعادها الحقيقية.

سياسات التهجير
لعل مراجعة تاريخية للتفسيرات الإسرائيلية لترحيل زهاء 750 ألف فلسطيني عن ديارهم، وتدمير ما يربو عن 400 قرية عربية ومسحها عن الوجود 1948 - 1952، فإن ما تأصل في الفكر الصهيوني إزاء ذلك، هو أن الفلسطينيين هربوا من ديارهم، وكانت فلسطين 1948، فارغة من السكان. وعلى هوامش هذا المفهوم، أخذت الدراسات والأبحاث الإسرائيلية تضخم من الدور العربي في مناشدة الفلسطينيين ترك أراضيهم، إضافة إلى دور الجيوش العربية في ترحيل الفلسطينيين عن ديارهم إبان الحرب العربية الإسرائيلية الأولى.

وبالمقابل اجتهدت الوسائل الإعلامية والثقافية الإسرائيلية، في إخفاء دور المنظمات الصهيونية في ترحيل الفلسطينيين ويمكن إيجاز هذا الدور، في محورين رئيسين هما:
- نشاط المنظمات الصهيونية العسكرية كافة، خلال عامي1947 - 1948، في المدن والبلدات والقرى العربية، عبر عمليات تهجير عشوائية تطال المدنيين وتزرع الرعب في قلوب الآمنين، بهدف حملهم على الرحيل.
- تنفيذ مخطط مدروس لترحيل العرب الفلسطينيين، عبر طرائق وخطط مختلفة، أطلق على أبرزها تسمية «توخنيت دالت»، (الخطة ـ د). تم رسم هذه الخطة في العام 1942، وتم اعتمادها في العاشر من آذار (مارس) 1948. وتقضي هذه الخطة بالاستيلاء على المراكز الحيوية والاستراتيجية كافة في فلسطين، ومنها بالطبع الطرق الرئيسة، إضافة إلى نسف وترويع القرى العربية لحملها على الرحيل إلى خارج حدود التقسيم، وفي هذا السياق تحديداً، جاء تنفيذ مجازر دموية، كان أشهرها مجزرة دير ياسين، إضافة لمجزرتي اللد والدوايمة.

ولعل قراءة دقيقة ومتأنية في الوثائق الصهيونية والبريطانية، خلال فترة 1945 - 1955، من شأنها أن تدلل، وبوضوح، على أن عملية رحيل الفلسطينيين عن ديارهم جاءت وفق خطط مدروسة سلفاً، نفذتها العصابات الصهيونية، ومن بعدها الجيش الإسرائيلي ذاته.

ووفقاً لما استخلصه الباحث نور الدين مصالحة، في كتابه الهام، «الترانسفير»***، فإن هنالك عدة فرضيات، تشير إلى وجود خطة شاملة لترحيل الفلسطينيين سنة 1948، وأبرزها:
- أن المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية لم تحدث عفواً أو حسب المتطلبات العسكرية المباشرة فقط، وإنما جاءت في إطار خطة جغرافية وزمنية متكاملة ترمي إلى ترحيل الفلسطينيين.
- إن ما يسمى بالمليشيات «المنشقة» كانت تقوم بعمليات الإجرام بتنسيق تام مع الهاجانا وفي إطار خطة منسقة ومتكاملة.
- خطط مهاجمة القرى العربية كانت مرسومة بحيث تؤدي حتماً إلى ترحيل الأهالي.
- إنه كان لدى الإسرائيليين خطة متقنة لحرب نفسية هدفها الترحيل.
- إن الخطط والأوامر العسكرية كانت تصاغ بمصطلحات أمنية واستراتيجية ولكن تنفيذها كان يتطلب الترحيل كنتيجة حتمية.

قوانين جائرة
وعلى الجانب القانوني والتشريعي، قامت إسرائيل بإعلان قانون الغائب. وقانون الغائب- الحاضر. وعلى نحو يتناقض وأبسط القواعد القانونية وأعرافها، وكذلك مع أبسط قواعد الشرعية الدولية وحقوق الإنسان. ووفق تلك القوانين والتشريعات الغريبة والعجيبة تمت مصادرة أملاك الفلسطينيين وتحويلها إلى أملاك دولة، ذلك أن تلك القوانين، تضمنت حق العدو في مصادرة الأملاك، في حين عدم السماح بعودة سكانها إليها، خلال فترة محدودة!! وبالمقابل مُنع اللاجئون من العودة!!.
إن إعادة قراءة القوانين والتشريعات الإسرائيلية، في هذا الخصوص، وفضحها على أوسع نطاق، واعتبار ما بني على هذه التشريعات الباطلة بحكم الباطل، عند مناقشة موضوع حق العودة والتعويض، هو أمر ضروري للغاية، ويقتضي بدوره تشكيل هيئة قضائية خاصة لها طابعها الدولي غير الحكومي. وعلى هامش البعد القضائي والقانوني، لعمل اللجنة المذكورة، يمكن إغناء وتعزيز مفهوم النكبة الفلسطيني، وما يسمى بإعلان الاستقلال الإسرائيلي.

يتبع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115