منبر: اللاجئون... وحق العودة (1)

سميح شبيب باحث وكاتب فلسطيني رئيس تحرير مجلة « شؤون فلسطينية»

يقدم الباحث والكاتب الفلسطيني سميح شبيب دراسة معمقة

عن اللاجئين وحق العودة من خلال تعريف قضية اللاجئين والفلسطينيين، الذين هجروا عن ديارهم في العام 1948، وحقهم في العودة وموقف إسرائيل من هذا الحق، عبر مراحل مختلفة، وعبر رؤى مختلفة أيضاً.

ويستعرض البحث مفهوم حق العودة، ويتطرق، للقرارات الدولية الخاصة بذلك. ويتطرق لموضوع اللاجئين ما بعد الاتفاق الفلسطيني- الإسرائيلي. وتنشر «المغرب» على حلقات اجزاء من هذه الدراسة وذلك مواكبة لاحتفالات ذكرى يوم الارض ..

بدأ تهجير الفلسطينيين من أراضيهم وممتلكاتهم، منذ الإعلان عن قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين، 29 نوفمبر 1947، إحداهما يهودية والأخرى عربية. منذ صدور هذا القرار، بدأت القوات الصهيونية، وبالتنسيق مع القوات البريطانية اتخاذ إجراءات ميدانية، لتفريغ المناطق المخصصة لليهود من العرب، عبر عمليات إرهابية ومضايقات متنوعة، ترتب عليها هجرة الفلسطينيين إلى خارج ديارهم، وكانت طلائع الهجرة تتشكل من كبار التجار وأصحاب رؤوس الأموال، ذلك أنهم شعروا بسخونة الحدث، وما ينتظر مدنهم من حروب وقلاقل، واستمرت عمليات التهجير إلى بدايات 1949.

حق العودة
هو حق الفلسطيني الذي طرد أو خرج من موطنه لأي سبب عام 1948 أو في أي وقت بعد ذلك، في العودة إلى الديار أو الأرض أو البيت الذي كان يعيش فيه حياة اعتيادية قبل 1948، وهذا الحق ينطبق على كل فلسطيني سواء كان رجلاً أو امرأة، وينطبق كذلك على ذرية أي منهما مهما بلغ عددها وأماكن تواجدها ومكان ولادتها وظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

حق العودة ;هو حق تاريخي وقانوني وشخصي في آن.

هو حق تاريخي ناتج عن وجود الفلسطينيين في فلسطين وارتباطهم بالوطن، وجذوره أقدم من جذور البريطانيين في بريطانيا، والهجرات اليهودية إلى فلسطين. ولأن كيان الإنسان وهويته مرتبطان بوطنه، ومستودع تاريخه ومصدر رزقه ومنبع كرامته، ولذلك فإن حق العودة مقدس لكل طفل فلسطيني ولد في المنفى.

حق العودة حق غير قابل للتصرف، كونه مستمداً من القانون الدولي وهو وارد في مواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في 10 ديسمبر 1948.

وحق العودة أيضاً تابع من حرمة الملكية الخاصة التي لا تزول بالاحتلال أو بتغيير السياسات.

ما معنى؟ حق العودة غير قابل للتصرف؟؟

حق العودة، غير القابل للتصرف هو من الحقوق الثابتة الراسخة، مثل باقي حقوق الإنسان لا يتغيّر.

وهو حق لا يسقط بتوقيع ممثلي الشعب على إسقاطه؟

لأنه حق شخصي، لا يسقط أبداً، إلا إذا وقع كل شخص بنفسه وبملء أرادته على إسقاط هذا الحق عن نفسه فقط. وهذا بالطبع جريمة وطنية، ولكن حق العودة حق جماعي أيضاً باجتماع الحقوق الشخصية الفردية وبالاعتماد على حق تقرير المصير الذي أكدته الأمم المتحدة لكل الشعوب عام 1946، وخصت به الفلسطينيين عام 1969 وجعلته حقاً غير قابل للتصرف للفلسطينيين في قرار 3236 عام 1974.

حصلت موجات التهجير الكبرى، إبان الحرب العربية - الإسرائيلية الأولى 1948، وما بعدها، إلا أن بدايات التهجير بدأت قبل ذلك، وامتدت إلى ما بعد ذلك أيضاً. ذلك أن قيام الدولة العبرية، لم يجرِ على الأرض المخصصة لليهود وفقاً لقرار التقسيم، بل إنه امتد ليشمل مناطق واسعة، كانت مخصصة للدولة العربية، وبلغت نسبة ما أخذته إسرائيل نحو 78 % من مساحة فلسطين، في وقت بلغ عدد المهجرين الفلسطينيين إلى خارج ديارهم نحو 850 ألف شخص.

ومنذ أن استكملت إسرائيل تهجير الفلسطينيين من ديارهم وممتلكاتهم، وتعاملت مع من بقي وفق قوانين فريدة، كقانون الحاضر- الغائب وقانون أملاك الغائبين، وغيرها من القوانين “القراقوشية”، نشأت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، كقضية دولية، لها أبعادها وذيولها الإقليمية. وفي الوقت الذي أقرت فيه إسرائيل، بتلك المشكلة، ربطت سببها بالنزوح، تماماً كما فعل الفلسطينيون والعرب، إلا أنها عزت سبب هذا النزوح إلى أسباب ودواعٍ عربية وفلسطينية، يعود بعضها إلى رغبة الفلسطينيين في الهجرة، أو بعض البيانات العسكرية الصادرة عن قيادة الجيش العربي، لإخلاء مناطق عسكرية!.

في هذا السياق، يمكن إيجاز الادعاءات الصهيونية بهذا الشأن، وفقاً لما سبق وأن دونه مؤرخو الدولة العبرية الأوائل، ماري سيركن، وجان ديفيد كيمحي، ولورش، وجوزف شختمان، من أن هجرة العرب الفلسطينيين من ديارهم، جاءت وفقاً لنداءات وأوامر القادة العرب، الداعية إلى ابتعاد السكان المدنيين عن ساحات القتال، ولإفساح المجال، لدخول الجيوش النظامية وتمركزها عند انتهاء الانتداب في الخامس عشر من ماي 1948، إضافة لما لعبته أجهزة الإعلام العربية عبر المبالغات في وصف الأعمال العسكرية الصهيونية، الأمر الذي أسهم في نشر حالة الرعب بين العرب، ويحملّ المؤرخون الصهاينة، المسؤولية للدول العربية، ودخول قواتها العسكرية إلى فلسطين، في وقت يؤكدون فيه طيبة النوايا الصهيونية إزاء السكان الفلسطينيين، وعزم قادتهم التعايش المشترك مع السكان المحليين في استقرار وأمان!!

وما دأبت الدبلوماسية الإسرائيلية خلال السنوات الماضية على تأكيده في هذا السياق، هو ترديد وتبرير لما سبق لهؤلاء المؤرخين وأن كتبوه منذ بدايات الخمسينات. ووفقاً لتلك الرؤية، رأت إسرائيل فيما حدث في الخامس عشر من ماي 1948، استقلالاً وطنياً، دون أن تحاول جدياً رؤية الجانب التراجيدي في الحدث، ألا وهو النكبة الفلسطينية. بقيت هذه التعليلات والتفسيرات قائمة في الخطاب السياسي والتاريخي الإسرائيلي حتى ظهور ما يسمى بالمؤرخين الإسرائيليين الجدد، ولعل أبرزهم بني موريس، الذي حاول إعادة قراءة حدث 1948، وفقاً للمعطيات وللمقتضيات الجديدة، واستناداً إلى الوثائق العبرية الأصلية، واعتماد المناهج العلمية في تحليل وقائع ما حدث.

القرار الدولي 194
لعل أبرز وأهم فقرات هذا القرار، هو ما ورد في الفقرة رقم 11 من القرار 194 الصادر في الدورة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة، تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعوّض عن ذلك الفقدان أو الخسارة أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.

ويدعو القرار إلى تطبيق حق العودة كجزء أساسي وأصيل من القانون الدولي، ويؤكد على وجوب السماح للراغبين من اللاجئين في العودة إلى ديارهم الأصلية، والخيار هنا يعود إلى صاحب الحق في أن يعود وليس لغيره أن يقرر نيابة عنه أو يمنعه، وإذا منع من العودة بالقوة، فهذا يعتبر عملاً عدوانياً.

كذلك يدعو القرار إلى عودة اللاجئين في أول فرصة ممكنة، والمقصود بهذا: عند توقف القتال عام 1948، أي عند توقيع اتفاقيات الهدنة، أولاً مع مصر في فيفري 1949 ثم لبنان والأردن، وأخيراً مع سورية في تموز 1949. ومنع “إسرائيل” عودة اللاجئين من هذا التاريخ إلى يومنا هذا يعتبر خرقاً مستمراً للقانون الدولي يترتب عليه تعويض اللاجئين عن معاناتهم النفسية وخسائرهم المادية، وعن حقهم في دخل ممتلكاتهم طوال الفترة السابقة. وتصدر الأمم المتحدة قرارات سنوية تطالب “إسرائيل” بحق اللاجئين في استغلال ممتلكاتهم عن طريق الإيجار أو الزراعة أو الاستفادة بأي شكل.
يعتبر الفلسطينيين شعباً طرد من أرضه، وله الحق في العودة كشعب.

حق العودة: مؤرخون إسرائيليون جدد
بدأت نشاطات بني موريس عملياً، منذ عام 1980 ودراسته لوقائع وأحداث معركة اللد والرملة 12-13 جويلية 1948، حيث توصل إلى نتائج مغايرة لما سبق للمؤرخين الصهاينة وأن توصلوا إليه. في هذا السياق. لاحظ بني موريس، نوع أساليب الحرب النفسية الصهيونية في نشر الرعب بين السكان المدنيين، بعد سقوط هاتين المدينتين، وكان منها القصف البري والجوي، وكان الهدف من وراء ذلك حمل السكان المحليين على الرحيل من ديارهم. وإضافة لترويع السكان الآمنين، فقد عثر بني موريس على وثائق صهيونية أصلية تؤكد، إقدام القوات الصهيونية، على ذبح زهاء 205-300 شخص من سكان اللد، بعد أن دخلتها تلك القوات، وإرغام ما يتراوح بين 50-70 ألف نسمة من أهالي المدينتين على الرحيل إلى خارج بلادهم، جاء ذلك تنفيذاً صريحاً ومباشراً لأوامر بن غوريون، رئيس الوزراء ووزير الدفاع آنذاك.

فتحت كتابات بني موريس باباً واسعاً أمام مؤرخين إسرائيليين جدد، لإعادة قراءة الأحداث، ومحاولة التوصل إلى تفسيرات وتعليلات علمية لما جرى، وفي هذا السياق ظهرت دراسات ذات أهمية خاصة قياساً بما سبق وأن كتب مؤرخو الحركة الصهيونية في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات خاصة. إضافة إلى ذلك، برزت دراسات وليد الخالدي وأرسكين تشلدرز كدراسات موثقة، ومدعمة بحقائق تاريخية دقيقة، قادرة على إسقاط الادعاءات الصهيونية، خاصة فيما يتعلق ببروز مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

يتبع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115