في الذكرى الـ60 لتأسيس الاتحاد الأوروبي: الخلافات تتنازع القلعة الأوروبية والنزعة الانفصالية تهدّد عقدها بالانفراط

بدا أمس زعماء الاتحاد الاوروبي في التوافد على العاصمة الايطالية روما للاحتفال بالذكرى الـ 60 لمعاهدة التأسيس ، في وقت يعيش فيه الاتحاد احلك فتراته منذ انشائه يوم 25 مارس 1957 . وسجلت القمة المنعقدة امس في ايطاليا غياب رئيسة الوزراء

البريطانية تيريزا ماي بعد خروج بلادها من القلعة الاوروبية بعد استفتاء مصيري كان سببا في خلق خلافات حادة صلب الاتحاد وتنامي مطالب شعبية بالانفصال.

وجدد قادة دول الاتحاد الاوروبي خلال القمة الخاصة امس السبت في روما التأكيد على الوحدة في الذكرى السنوية الستين لتأسيس التكتل رغم انفصال بريطانيا الوشيك.

ويرى مراقبون أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد فوز معسكر «الخروج» على معسكر «البقاء» ،ساهم دون شك في تغيير خطوط المشهد السياسي البريطاني في مرحلة أولى والعالمي في مرحلة ثانية وحمل معه تداعيات سياسية واقتصادية عدة باعتبار المملكة إحدى قاطرات التكتل الأوروبي والفاعل الاستراتيجي على المستوى الأوروبي، والنموذج على المستوى الديمقراطي ، في وقت تتنامى فيه حدّة النزعة الانفصالية عن القارة العجوز بما يهدّد بانفراط عقدها ووضعها أمام تحدّي الحفاظ على الوحدة وحرب النأي بالوحدة الأوروبية عن التجاذبات الإقليمية والدولية.

المشهد السياسي البريطاني عاش على وقع اضطرابات مستمرة منذ الإعلان عن نية المملكة التوجه لإجراء استفتاء حول عضويتها في الاتّحاد الأوروبي قبل عام من اليوم ، ممّا أحدث شرخا عميقا وانقساما جغرافيا حادّا في البلاد بين مؤيدي البقاء ورافضيه.

ويرى مراقبون أنّ الانقسام الذي أحدثه الاستفتاء سيغذي الصراع السياسي داخليا، و يفتح الباب أمام تصدع الاتحاد الأوروبي بعد 60 عاما على البناء الشاق، حيث طالبت اسكتلندا بالانفصال عن بريطانيا، وتأييد البقاء داخل الاتحاد الأوروبي .

تنامي النزعة الانفصالية بات يمثل تهديدا حقيقيا للقارة الأوروبية بعد خروج المملكة المتحدة ، خصوصا مع وجود أطراف داعمة ومحرّكة لذلك، ونعني بذلك اليمين المتطرّف الذي سطع نجمه في انتخابات عدة دول غربية في الآونة الأخيرة.

تغير نهج امريكا تجاه اوروبا
«البريكست» لم يكن السبب الوحيد الذي يهدّد القلعة الاوروبية بالتفكك فقد جاء انتخاب الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب على راس الولايات المتحدة الامريكية الذي يعتبره البعض بداية عهد جديد على صعيد سياسات واشنطن الخارجية واولها علاقتها مع القارة الاوروبية وحلف الناتو ايضا .

فمنذ بدء حملته الانتخابية كان الجدل السمة الدائمة المرافقة لتصريحات ترامب وخطاباته. اذ ارجع مراقبون احد اهم اسباب نجاحه المفاجئ في الانتخابات الى اتباعه سياسة اتصالية اعتمدت على التصريحات المثيرة في ملفات حساسة تهمّ الرأي العام الأمريكي سواء تصريحاته حول ظاهرة الارهاب أو هجومه اللاذع ضد الجالية المسلمة في امريكا والتلويح بطردهم عقب توليه الحكم او غيرها من القضايا المطروحة على المستوى العالمي .

هذا الجدل رافق أيضا تصريحات ترامب التي سبقت تنصيبه بأيام قليلة ، وأثارت تصريحاته هذه المرة غضب القارة الاوروبية وفتحت باب التأويلات حول سياسة أمريكا الخارجية في ظل حكم ترامب . فعقب فوزه بساعات قليلة بدأ الرئيس الامريكي المنتخب في خلق التوتر مع عدّة دول على غرار الصين حيث لوح ترامب بفتح حوار مع تايوان وهي قضية لطالما كانت شأنا داخليّا حساسا، يرى مراقبون أنّ ترامب يرى في الصين مُنافسا اقتصاديّا حقيقيّا لبلاده. المكسيك جارة امريكا ايضا يرى متابعون أنّ علاقتها بالولايات المتّحدة الأمريكيّة قد تسوء في حال نفذ ترامب تهديداته ببناء جدار يفصل الولايات المتّحدة عن المكسيك ويحميها من الهجرة السرية .

. فمقاربات وقناعات ترامب الاجتماعية والاقتصادية لم تطل الداخل الامريكي فحسب، لكنها ايضا طالت قادة العالم فرنسا وألمانيا وبريطانيا حيث صعق بعضهم بسبب التصريحات النارية التي أطلقها دونالد ترامب والتي قد تؤشر الى ملامح السياسة الخارجية التي قد تتبعها ادارته.

الحرب ضد الارهاب
وعلى صعيد اخر تسلط الهجمات الارهابية الاخيرة التي اهتزّت على إثرها عدة دول أوروبية واخرها لندن، الضوء على المرحلة الجديدة التي تعيشها القارة الأوروبية ، ومدى نجاعة إستراتيجيات وسياسات دولها في محاربة إرهاب الجماعات المتطرّفة التي نجحت في الولوج لا فقط إلى أراضيها بل أيضا استطاعت بثّ إيديولوجيتها المسمومة في عقول مواطنيها.

حيث تؤكّد تقارير متطابقة تنامي أعداد الغربيين -بمختلف جنسيّاتهم- المقاتلين إلى جانب تنظيمات متطرفة في بؤر الصراع (العراق وسوريا) ، في وقت طُرحت في الآونة الأخيرة المخاطر المُنجرّة عن عودتهم إلى أوطانهم لتنفيذ مخطّطات إرهابيّة هناك مما يزيد من المعضلات الامنية التي يعانيها الاتحاد الاوروبي الى جانب المعضلات السياسية والاقتصادية.

ويرى مراقبون أنّ الضربات الموجعة التي تلقتها أوروبا في الآونة الأخيرة ، دليل واضح على بداية حرب بينها وبين الإرهاب مرورا بـ «تنظيم القاعدة» وصولا إلى تنظيم «داعش» والخلايا النائمة التابعة لهما، فرغم أنّ هجمات لندن وبروكسل والهجمات في العاصمة الفرنسية باريس تبناها تنظيم «داعش» الارهابي أيضا ، وعلى الرغم من الاستعدادات الأمنية الكبرى التي اتخذتها العواصم الغربية عامة وبلجيكا خاصة ضد هجمات «متوقعة»، فان مراقبين اعتبروا ذلك فشلا أوروبيا ذريعا في التصدي للإرهاب ومؤشرا على أنّ الاستهداف الإرهابي للقارة العجوز سيستمر ويتزايد في المستقبل ، وهو مايفرض إعادة النظر في إستراتيجيتها الأمنية المقبلة. واعتبر متابعون للشأن الدولي أنّ تنظيم «داعش» الارهابي يسعى بعد خسارته للنفوذ في كل من العراق وسوريا إلى فتح جبهات قتال جديدة له في أماكن متفرقة على غرار ليبيا واليمن وصولا إلى تنفيذ هجمات متفرقة في بقية قارات مختلفة ، بما فيها القارة الأوروبية والاتحاد الاوروبي مايجعل النزعة الانفصالية التي ظهرت صلبه تزيد من مخاطر تفككه .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115