الكاتب والباحث المختص في الشؤون الأمريكية د.جاسم البديوي لـ«المغرب»: «الحرب القادمة ستكون حربا اقتصادية سياسية لا حربا بالمعنى التقليدي»

تطرق الكاتب والباحث العراقي بجامعة كاليفورنيا الامريكية د.جاسم البديوي في حوار لـ’المغرب’ الى الظروف التي هيأت لدخول دونالد ترامب الى البيت الابيض وتأثير قراراته الاخيرة على علاقات امريكا بأوروبا والشرق الاوسط ودول اسيا وتداعيات

عزمه اقامة منطقة امنة للنازحين في سوريا ، بالإضافة الى مستقبل المشهد العالمي في ظل السياسة الامريكية الجديدة.

• ماهي حسب رايكم الظروف التي هيأت لصعود ترامب الى سدة الحكم في الولايات المتحدة الامريكية ؟
هناك الكثير من الظروف الموضوعية التي سمحت لظاهرة ترامب بالوصول الى الحكم ، هذه الظروف لا تقتصر على امريكا فحسب بل في الغرب عموما حيث منها ظاهرة صعود اليمين والقوى اليمينية المتطرفة مثل ما حدث في بريطانيا (البريكست) وأيضا هو نتيجة حتمية ومتوقعة خصوصا في ظل موجة النزوح والخوف من النازحين التي اجتاحت اوروبا في السنوات الاخيرة ، مخاوف عاشتها الشعوب الغربية تتمثل بالأساس في الخوف على الهوية القومية ، وترامب يمثل احد الاستجابات لهذه المخاوف فضلا عن ظروف اقتصادية واجتماعية واقعية موجودة في الولايات المتحدة ، هذه الظروف ساعدت في ظهور ترامب رجل الاقتصاد الرجل الرأسمالي ليكون في المشهد السياسي .
لو لاحظنا حتى خطاب التنصيب كان غريبا فترامب لم يقل شيئا سوى ترديد برنامجه الانتخابي وهذا في حد ذاته يرسل رسائل مفادها أنه ماض في حملته، ومن هذه الوعود هو التركيز اكثر على الداخل الامريكي والاقتصاد الامريكي وعلى حل المشكلات التي سببتها سياسات امريكا في الداخل والخارج منها الازمة الاقتصادية والازمات التي تمر بها الولايات المتحدة كضعف الاقتصاد والتوظيف وتدهور نظام الرعاية الصحية ، كل ذلك ساهم في ازدهار ظاهرة ترامب مما اوصله ليتبوأ اهم منصب تنفيذي في امريكا . من أولويّات ترامب كانت الانسحاب من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي تثقل كاهل الميزانية الأمريكية، وهناك خشية اليوم في الوسط السياسي الامريكي على الاتفاقيات التي تهدد العالم مثل اتفاقية الانحباس الحراري والأسلحة النووية وغيرها . مؤخرا نجد انه ينسحب ايضا من المعاهدات التي ترغم امريكا على دفع مستحقات مالية لمنظمات دولية ومنها دول عربية .

• كيف سيكون تأثير انسحابات امريكا من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية؟
يبدو ان ترامب لا يدخر جهدا في سياسة الانسحابات من المنظمات والمعاهدات والاتفاقيات بحجة انه جاء ليجعل امريكا عظيمة مرة اخرى وبالنتيجة وبهذا الشعار يريد ان يجعل الشعار واجهة لكثير من القرارات التي قد تؤثر على المشهد العالمي، لذلك نجد انه يقول تارة انه سيعزز التحالفات القديمة وسيعقد تحالفات جديدة تارة اخرى وهذا في حد ذاته يحمل كثير من الدلالات.
فالرجل ماض فيما قاله لا اظن انه قد يتردد في اتخاذ مثل هذه القرارات التي قد تربك المشهد العالمي فهناك خشية في امريكا من امكانية ان تصبح العلاقات الامريكية الخارجية منتجا لمزيد من المشاكل ، فمثلا تصريحاته ان «النار لا تعالج إلا بالنار» هي تصريحات خطيرة تؤكد ان ترامب رجل تصادم وليس رجل تحالفات وهو ما يجعل القادم مجهول الهوية.

• حكومة ترامب تضم أكثر من رجل أعمال وخطابه أيضا كان ذا طابع اقتصادي هل نحن اليوم أمام حرب اقتصادية ؟
لاننسى أن ترامب هو رجل مال وأعمال ولم ينبثق وجوده عن تاريخ سياسي أو ارتباطات او علاقات أو جذور في المؤسّسة السياسيّة الأمريكيّة ،هذه نقطة قوّة ترامب .فما أوصله الى السّلطة هي الوعود الاقتصاديّة الّتي لطالما صدح بها .
نعم هو يمتلك رؤية واعدة اسفرت عن قبوله في البيت الأبيض من قبل القوى الاجتماعية خاصة لأنّه يحمل في نهاية المطاف رؤية اقتصاديّة لتغيير واقع امريكا الى الافضل .والمجتمع الأمريكي بعد أن أصابته خيبات امل وإحباط تتعلق بالمؤسّسة السياسيّة التي أدت به الى كثير من حالات الرفض ، بالتالي فان هذا التغيير الاقتصادي اراد منه ترامب اعادة قوة امريكا الاقتصادية وجعل الصين في مكانة العدو الاقتصادي وأخذ المبادرة منها خصوصا أنها أصبحت قوّة اقتصادية فاعلة على الصعيد العالمي.

• كيف سيكون تأثير دخول ترامب البيت الأبيض على علاقة واشنطن بحلف الناتو ومن خلفه اوروبا؟
لنفهم ان اوروبا وأمريكا هما في مجال وافق واحد ، حتى ان صعود التيارات اليمينية كان متوقعا في القارة العجوز ، وبعد التغيرات السياسية لصالح اليمين في اوروبا والذي نجح نتيجة ظروف كثيرة، قبل ان ينجح نفس هذا اليمين في دفع ترامب الى الوصول الى البيت الابيض. كل هذا يدل ان هناك مستقبلا مشتركا بين امريكا وأوروبا رغم ان العلاقات قد تمر بتغيرات لكنها لن تصل الى انقلاب او تقاطعات .

حتى في داخل امريكا لن تكون فترة رئاسة ترامب سهلة ولن تجد قراراته مرونة في التنفيذ ، فهناك قوى اجتماعية وقوى سياسية معارضة حتى داخل حزبه الجمهوري ستجعل ترامب في حرب مفتوحة مع الاعلام ومع معارضيه من الداخل والخارج .
لكن الوعي السياسي لهذه القوى في الداخل او الخارج لايصل الى مستوى القطيعة او الانقلاب. هناك نوع من الممارسة في النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة على عكس الدول العربية . لنقل ان ظاهرة ترامب تتشابه في كثير من جوانبها تاريخيا مع فترات سابقة هناك من يدعو الى منح ترامب الفرصة مثل ماتم مع رونالد ريغن الرئيس الامريكي في وقت ما ، فالكثير يعد ريغن من افضل الرؤساء الامريكيين في ذلك الوقت.

• ماذا بخصوص رؤيته لازمات منطقة الشرق الأوسط؟
ترامب له رؤية غريبة وله اعتراضات على سياسة الادارة الامريكية السابقة ومن بينها سياسة امريكا لمحاربة الارهاب وخاصة تنظيم «داعش» ،هذه النقطة استغلها لصالحه بعد اخفاق الادارة الامريكية السابقة في التعامل مع القضايا الساخنة وقد اعلنها صراحة متهما الادارة السابقة بخلق «داعش».
هذه الرؤية تحمل في داخلها الكثير من التغيرات في طريقة ترامب للتعامل مع الملفات الساخنة والحرب ضد الارهاب ورؤيته للمنطقة العربية بشكل عام . اذ بات جليا انّ الرجل من خلال اختياره لفريق عمله- الذي رآه مراقبون انه فريق غير متجانس - فرغم ان الرجل لا ينطلق بخلفية سياسية إلا ان الملامح المشتركة مع ادارته غير متوفرة ، كل هذا يدل على ان ترامب يتجه في قراراته نحو الاغراق في الفردية والتي سنجد لها دلائل واضحة في مستقبل السياسة الامريكية على مستوى محلي اقليمي ودولي.

• قراءتكم لسياسة امريكا الجديدة في سوريا خاصة بعد تصريحات ترامب حول نيته إقامة منطقة آمنة للاجئين وتأثير ذلك على المعادلة السورية ككل؟
فيما يتعلق بتصريحاته حول المنطقة الامنة يبدو ان هذا القرار الذي لم يعرف بعد تفاصيله قائم من منطلق خطة ترامب حول اللاجئين و سيره نحو ايقاف تدفقهم الى اوروبا وأمريكا .ويبدو انه حلّ عبر عنه سابقا في اكثر من مناسبة. اقامة منطقة امنة لحماية الفارين من مناطق النزاع كان محل ترحيب من قبل تركيا وقوى المعارضة السورية . يجب الاشارة الى انّ هذه المبادرة ليست جديدة حيث حاولت ادارة اوباما لكنها فشلت نتيجة التعقيدات التي يتسم بها المشهد السوري وهو ماستواجهه ادارة ترامب ايضا لان هناك نوعا من الواقعية يجب اتباعه في التعاطي مع هذا الملف لان علاقة امريكا مع روسيا وتعقيدات المشهد السوري قد تحمل في طياتها الكثير من المعطلات التي قد تقف حاجزا اما تنفيذ هذه الخطوة .
روسيا دعت ترامب الى عدم الاقدام على هذه الخطوة مهددة بمخاطر عدم التنسيق معها ومع النظام السوري، وهو مايدل ان هذا الموضوع سيعيد خلط اوراق المعادلة السورية . لا اعتقد انّ موضوع المنطقة الامنة سيتحقق على ارض الواقع نظرا لعدة اعتبارات ، كفة عدم اقامة منطقة امنة في سوريا هي الاكثر ترجيحا لأنه سيتسبب في ارباك المشهد وإيصاله مرة اخرى الى مرحلة من عدم الاستقرار . اقامة منطقة امنة في سوريا جزء من رؤية ترامب حول ايقاف تدفق المهاجرين الى أوروبا لكن المناطق الامنة قد تهدد وحدة سوريا او قد تؤدي الى انعاش الحرب وهو ما لايريده ترامب ايضا حيث اكد مرارا انه لن يدخل حربا نيابة عن اخرين.

• كيف ترون مستقبل المشهد العالمي في عهد دونالد ترامب ؟
ترامب هو نتيجة حاجة في الداخل الامريكي ونتيجة تغيرات ارادها المجتمع الامريكي لكنها فشلت في وقت سابق ، هناك الكثير من الاحباطات داخل المجتمع الامريكي تجاه القوى السياسية والإدارة الامريكية منذ عهد بوش الاب .
وبعد وصول اوباما الى الحكم كان هناك حديث عن التغيير، ثم لم يكن هناك تغيير حقيقي وكان هناك الكثير من نقاط الضعف التي استغلها ترامب اهمها ملف الارهاب والخوف من الاسلام بعد العمليات الارهابية المتعددة في برلين وفرنسا وبلجيكا.
بالنتيجة هناك حقيقة واقعة وهي ان المشهد العالمي سيكون اكثر صعوبة هناك قرارات ستطبق لم تكن مرنة اطلاقا هناك الكثير من الاحترازات الامنية والكثير من المعاهدات التي سوف ترسم ملامح مشهد عالمي جديد وتغير ليس من ناحية الصراع انما من ناحية المصالح.
من المؤكد ان الحرب القادمة ستكون حربا اقتصادية سياسية لا حربا بالمعنى التقليدي»،بالاخير ترامب رجل صدامي ورجل مواجهة لكنه في النهاية ليس رجل حرب بل رجل اقتصاد . وهو مايؤكد انه لن تكون هناك صدامات عنيفة في عهده بل سيدخل في نوع من العلاقات الجديدة بين امريكا وروسيا، وهذا الغريب لان الولايات المتحدة الامريكية لها تاريخ كبير في الحرب مع الاتحاد السوفياتي سابقا وروسيا حاليا .من ناحية الحرب على الارهاب فهو قد قالها بصراحة انه يريد محاربة الارهاب من ناحية القانون هو سوف لن يدخر جهدا لمحاربة الارهاب واستئصاله لكن هل سيكون هذا مجرد شعار ام يدخل حيز التنفيذ؟ اعتقد من الصعب جدا عليه استئصال الارهاب من منابعه لان ذلك سيكلفه الكثير.

حاورته : وفاء العرفاوي

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115