الباحث العراقي في جامعة كاليفورنيا الأمريكية د.جاسم البديوي لـ«المغرب»: «سياسة أمريكا المعلوماتية في الموصل خاطئة وهو ما أجّل حسم المعركة»

أرجع الباحث العراقي بجامعة كاليفورنيا الأمريكية د. جاسم البديوي في حوار لـ«المغرب» ، أسباب تأخر حسم معركة تحرير الموصل من «داعش» الإرهابي الى فشل الإستراتيجية الأمريكية في شقها المعلوماتي. وقال الباحث العراقي انّ تداخل ادوار عدّة أطراف والجدل

القائم حول مشاركة كل من الحشد الشعبي والبيشمركة من عدمه زاد من تعقيد معركة الموصل.

• ماهي آخر مستجدّات معركة تحرير الموصل ولماذا تأخر الحسم حسب رأيكم ؟
موضوع تحرير الموصل اخذ فترة زمنيّة طويلة حيث سعت إدارة باراك أوباما إلى حسم ملف سيطرة «داعش» على الموصل قبل مغادرته البيت الأبيض إلا أن ذلك لم يتم نتيجة عدّة اعتبارات، في البداية كان هناك تبجّح كبير حول الإستراتيجيّة الأمريكيّة لدحر «داعش» الارهابي في الموصل ،لكن ومع انطلاق معركة التحرير كان هناك بعض المصاعب والتحديات التي واجهتها أمريكا والجيش العراقي حيث لم تكن السياسة المعلوماتية أو توقّعات واشنطن صائبة وفي محلّها دوما ممّا زاد من التّشكيكات حول بطء عمليّة التّحرير وعدم دقّة في الحسابات والتلكؤ في التطبيق لعدّة اعتبارات أهمّها محاولة الحفاظ على أرواح المدنيين لكن ذلك زاد من تعقيد الوضع بعد أن أصبح «داعش» يعتمدهم كدروع بشريّة .كما استطاع هذا التّنظيم الإرهابي الاستفادة من وضع المدنيين وجعلهم دروعا وهذا كان عاملا حاسما لبطء عمليّة التّحرير ومنع تقدّم قوّات الجيش نحو مدينة الموصل .

الخطة الأمريكية في الموصل اعتمدت على موضوع الثّورة على «داعش» من داخل الموصل، ويبدو أنّ المعلومات الّتي وصلت إلى واشنطن -والّتي من خلالها قادت بشكل لوجستي عمليّة التحرير- لم تكن في صالح الأمريكان نتيجة بطش «داعش» وسيطرته على المدنيين عبر تنفيذه لعمليات إعدام واسعة طالت المئات من مواطني الموصل .
بالتالي فالمعلومات الّتي وصلت قبل التّحرير حول وجود ثورة داخل الموصل ليست صحيحة ، ممّا جعل اعتماد أمريكا على ذلك غلطة كبيرة أخّرت حسم المعركة لصالح الجيش العراقي . أيضا تداخل الأدوار في عملية تحرير الموصل والجدل القائم حول مشاركة فصائل محددّة من عدمه مثل الحشد الشعبي ، كل ذلك زاد من توتير الأجواء وتعقيد المشهد.

• لو تفسرون لنا ماهو الحشد الشّعبي ؟
هي ميليشيات أو فصائل مُسلّحة تشكّلت بعد اجتياح «داعش» لأراض واسعة في العراق سنة 2014 ، تشكّل بعد انهيار كثير من القوى الأساسية في الجيش العراقي في الموصل وتكريت وجزء من الرمادي فكانت هناك فتوى دينية أصدرتها المرجعية الدينية في العراق تدعو إلى حمل السلاح للدّفاع عن أراضي العراق نتيجة السقوط السريع للمدن في قبضة «داعش» الإرهابي .

تشكلت هذه الميليشيات أو الفصائل من الحشد الشعبي تضمّ فصائل مختلفة كما تجدر الإشارة إلى أنّ قسم منها كان موجودا قبل الفتوى وقبل دخول ‹داعش› وهي مُموّلة ومدعومة من إيران وتعرف بفصائل المقاومة ضدّ الأمريكان قبل انسحابهم ، كان وضعها مثل فصائل عصائب «أهل الحقّ» و»حزب الله» في العراق وتنظيمات أخرى، أقصد الجانب الشّيعي من هذه الفصائل كان دورها إقلاق الأمريكان وعمليّات عسكرية ضد الوجود العسكري الأمريكي ،هناك بعض الفصائل كانت أصلا متشكلة لكن تمّ إعادة هيكلتها بعد الفتوى وللحقيقة فانّ الفتوى كانت تدعو كافة أبناء الشعب العراقي إلى الالتحاق بالجيش العراقي والقوّات المسلّحة لا إلى تكوين فصائل وميليشيات مسلحة خارج إطار الدولة .

لكن ماحصل هو أنّ وضع الدولة العراقيّة في ذلك الوقت العصيب لم يكن يستطيع استيعاب أعداد المُقاتلين الذين يقدرون بأعداد كبيرة ، ولا مؤسّسات الجيش والشّرطة ولا المؤسسات الأمنية قادرة على استيعاب أعداد المتطوّعين في المقابل كان اجتياح «داعش» الارهابي للمناطق سريعا وكانت مباغتة وانهيار أمني كبير فاضطرّ الكثير من المتطوعين إلى الانخراط على فصائل متعدّدة . هذه الفصائل أخذت على عاتقها التصدّي إلى انتشار «داعش» الإرهابي في عدّة مناطق منها تشكيل فصيل كان في السّابق اسمه «الجيش المهدي» تابع لمقتدى الصّدر القيادي الشّيعي المعروف تحوّل إلى «سرايا السلام» وتمكّن من إيقاف اجتياح «داعش» نحو بني سامراء كما تمكّنت فصائل أخرى مثل فصائل «عصائب أهل الحق» وفصائل «قوات النجباء» استطاعت أيضا التكوّن بسرعة ومُساندة القوّات الأمنيّة هناك .

أيضا كانت هناك فصائل سنية لان الحشد الشّعبي يضمّ إلى جانب أغلبية الفصائل الشيعية فصائل أخرى سنيّة كانت تعرف في وقت سابق بـ«الصحوات» قبل اجتياح «داعش» للعراق

• لو تقيمون لنا الدور الذي لعبه الحشد الشعبي في معارك تحرير المدن العراقية من قبضة «داعش» الإرهابي ؟
الحشد الشعبي هو مسمى كبير لهذه الفصائل المتعدّدة طبعا معظمها فصائل شيعية مدعومة من إيران قسم منها كان موجودا قبل الفتوى وقسم آخر تشكّل بعد الفتوى وقسم منها أيضا تابع للدّولة العراقيّة ،ولكن أعدادها قليلة وغير مؤثّرة تأثيرا كاملا بالإضافة إلى الفصائل الأخرى المسيحيّة في نينوى وغيرها وهناك أيضا فصائل كردية .

هذه المجاميع التي تتكون من فصائل متعدّدة وطوائف متعددة وأديان مختلفة للتصدي لـ«داعش» وعلاوة على مايمتلكه هؤلاء المقاتلون يتمتّعون بقدرة على الصمود وحرب الشوارع أكثر من الجيش النظامي باعتبار أنّ «داعش» يعتمد هذا الأسلوب حرب الشّوارع بعيدا عن التكتيكات التقليدية للجيوش النظامية ،بالإضافة إلى امتلاك هؤلاء المقاتلين الهاجس العقائدي (انّهم يدافعون لأسباب دينية ومن اجل الجهاد) فكانت بذلك المعادلة موضوعية لتحجيم ووقف زحف»داعش» نحو العاصمة بغداد آنذاك.
ثم تطورت مهاراتهم الميدانية بالإضافة إلى الدعم اللّوجستي من دول المنطقة بشكل كبير إيران ثم تركيا لكن الأخيرة فشلت في تشكيل ما يسمى بالحشد الوطني. وبالتالي استطاع الحشد الشّعبي أن يمتلك قوة ساندة ويلعب دورا مهما .

• لماذا واجهت مشاركة الحشد في معركة تحرير الموصل اعتراضا وجدلا كبيرين في الساحة السياسية العراقية ؟
الدّور المهم الذي لعبه الحشد الشعبي تجلّى بعد استرجاع مدينة تكريت ثمّ الرّمادي ثم الفلوجة، وخوفا من تنامي النفوذ الشّيعي للفصائل التّابعة لإيران كانت هناك اعتراضات من بعض القيادات السنيّة حول مشاركة الحشد الشّعبي في معركة تحرير الموصل ، ويشار إلى انّ الحشد لم يساعد في تحرير مدينة الفلوجة بل ساعد في تطويق المدينة ومساعدة المدنيين وهو مارافقها جدل كبير عن وجود انتهاكات مارسها الحشد الشّعبي في حقّ المدنيين وانتهاكات جسيمة مما ولد اعتراضات كبيرة في صفوف السنة، وقد استطاع قياديون اعتماد ذلك كحجة لمنع وجود إي دور للحشد في معركة الموصل وتمكنوا من إقناع الأمريكان بإبعاده.

طبعا عدم إشراكه في معركة تحرير الموصل إضافة إلى وجود رغبة تركية في السيطرة على قرار المدينة والاعتراض التركي على مشاركة الحشد ذي الغالبية الشيعية وأيضا على إشراك البيشمركة وهي فصيل كردي مسلّح ، كل ذلك كان عائقا أمام مشاركته في عمليّة تحرير الموصل.المعركة منذ بدايتها واجهتها عديد التعقيدات ، ورغم ذلك فانّ الحشد استجاب لموقف الحكومة والجيش في بادئ الأمر حيث كان سبب الجدل أنّ الحشد الشعبي غير تابع للحكومة العراقية ،مما عزا بها إلى إصدار قرار يقول أنّ الحشد في بداية تشكله كان هيئة تابعة لها لكن ذلك لم يتم إقراره بوجود قانون منظّم لذلك .

• لو تفسرون القانون الأخير المتعلق بالحشد الشعبي والذي تم تمريره في البرلمان العراقي رغم معارضة عدد كبير من الكتل ؟
باعتبار أن النظام الهيكلي في الدولة العراقية يضم هيئات مستقلّة تحت إمرة مجلس الوزراء باعتباره قائد القوات المسلحة، حاولت رئاسة الوزراء ضمّ الحشد الشعبي كهيئة تابعة لها طيلة الفترة السّابقة لكن شأنها شأن بقيّة القوانين لم يتم إقرار داخل البرلمان لتنظيم عملها لتبقى قانونيّا تابعة لمجلس الوزراء ،وهو ما كان محطّ جدل دائم نظرا لعدّة اعتبارات معظمها قانونيّة ومنها أنّ الدّستور لا يسمح بتشكيل قوّات خارج القوات المسلّحة العراقيّة المعروفة وتمّ الرد على ذلك أنّها قوات مسلّحة مستقلّة تحت سيطرة الدّولة وليس خارجها، رغم أنها ليست ضمن تشكيلات الجيش أو الشّرطة أو الأمن .

حاول البرلمان والحكومة تحويل ميليشيات الحشد -بعد سعي طويل- إلى حرس وطني أو حرس قومي لكن ذلك لم يمنع وجود مخاوف من تحوّل هذا الحرس القومي إلى أداة للتقسيم ويتحول الحرس القومي الموجود في المناطق السنيّة حرسا سنّيا والحرس القومي الموجود في المناطق الشيعيّة حرسا شيعيّا وبالتّالي يكون بذلك مقدمة لتقسيم العراق.

لذلك كل شيء توقّف وعادوا إلى نقطة البداية وبقي قسم من الحشد مُرتبطا بإيران لكن كان هناك اتفاق بين قادة الحشد ومقاتليه على أن يكون هيئة تابعة لرئيس الوزراء والحكومة العراقية ، وبالفعل في معركة الفلوجة التزم الحشد بالخطّة التي وضعتها الحكومة العراقيّة وفي معركة الموصل بين الحشد أيضا التزامه بالحكومة العراقيّة .

بالتزامن مع بدء معركة الموصل هناك رغبة عديد السياسيين في مشاركة الحشد الشعبي خشية تغوّل نفوذ إيران وذلك بتوجيهات تركيا التي لا تريد لطهران أخذ حصة اكبر. بعد التصدّي لـ«داعش» ، فقد بات الحشد قوّة ضاربة لذلك سعت الحكومة إلى إقرار قانون الحشد وربط هيئة الحشد الشّعبي بالجهاز الحكومي وهو ماتمّ معارضته من عدة أطراف سنيّة بالتحديد كتلة سنيّة بارزة بالأساس ولم تصوّت عليه . لكن القانون تم تمريره لأسباب عدة منها ضرورة عدم إبقاء هذه الميليشيات خارجة عن إرادة وسيطرة الدّولة فان ربطها قانونيّا بالدولة هو تمهيد للسيطرة عليها ثم في مرحلة ثانية ربما حلها أو توزيع المقاتلين في السّلك العسكري أو المدني .

حاورته : وفاء العرفاوي

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115