المفكر العراقي د. عبد الحسين شعبان لـ «المغرب»: نحتاج إلى رؤية جديدة تقبل التنوع وتقرّ بالحقوق المتساوية

د. عبد الحسين شعبان اكاديمي ومفكر عراقي من الجيل الثاني للمجددين العراقيين ، يساري النشأة والتوجه ، وله اكثر من مئة مؤلف ودراسات متنوعة في القانون والسياسة الدولية وقضايا الفكر والثقافة والأدب وغيرها ، اضافة الى عديد الترجمات ،

وحاصل على جوائز واوسمة عديدة. وتم تكريمه مؤخرا في تونس من قبل المعهد العربي للديمقراطية بالتعاون مع منتدى الجاحظ والجامعة الخضراء وعدد من منظمات المجتمع المدني. اعتبر في حديثه لـ « المغرب « على هامش زيارته الى تونس ان ما يحصل في العالم العربي من حروب واقتتال هو جزء من مخطط دولي من اجل تقسيم المنطقة الى تكوينات متصارعة . مشيرا الى ان خطر التقسيم يمكن ان يطال كل الدول في الشرق الاوسط مؤكدا ان النخب العربية ليست بمستوى المسؤولية بحكم ازماتها الداخلية والتراجع الذي حدث في وضعها الخاص. ودعا المفكر العراقي الى نبذ العنف واستخدام الوسائل المدنية والحضارية للتعبير عن الاختلاف في الرأي .

• كيف ترون الوضع اليوم في المنطقة وهل نحن قادمون على تقسيمات جديدة؟
ما يحصل هو جزء من مخطط دولي ولا اتردد ان اقول ان هناك مخططا دوليا لأنه معلن ، سايكس بيكو 2 مطروح على طاولة البحث فالعراق يقسم الى تكوينات متصارعة . سوريا مهيأة للتقسيم الى 6 اقسام ، دولتان سنيتان في دمشق وحلب، ودولة درزية ربما سترتبط مع لبنان بالجبل، ودولة علوية في اللاذقية والساحل ، ودولة كردية في عفرين والقامشلي اما عن دير الزور فجزء منه سيلتحق ربما بمحافظة الانبار بشكل دولة اخرى جديدة على حدود الاردن والعراق . وهذا امر مطروح ايضا بالنسبة للبنان وليبيا واليمن وربما يكون ابعد من ذلك فدول الخليج ايضا مهيأة لذلك وهناك حديث عن تقسيمات للسعودية ودول الخليج وسيُجرى تغيير في بعض خرائطها الامر الذي يضع العالم العربي كله على شفا حفرة . وبالطبع الدور الاسرائيلي ليس بعيدا عن ذلك خاصة في موضوع التقسيم الحاصل بين الضفة والقطاع . كل ذلك جزء من مشروع كوني كان قد طرحه سابقا برنارد لويس منذ العام 1979 وكرره عام 1982 داعيا الى تقسيم العالم العربي الى 41 كيانا او دويلة او اقليما او

فيدارلية . وهنا استذكر مقولة كسنجر عام 1975 « لنقيم وراء كل بئر نفط امارة « اذن كل ذلك يلخص ما يحصل في المنطقة ونحن الآن امام مرحلة جديدة ملامحها واضحة . وللأسف النخب العربية والمثقفين العرب والقوى التقدمية والقومية العربية ليست بمستوى المسؤولية بحكم ازماتها الداخلية والتراجع الذي حدث في وضعها الخاص. اضافة الى ذلك قسم منها اصيب بالتحجر والتكلس لدرجة انه لم يعد يميز بين شعارات الامس وأفق المستقبل . هذا الامر بحاجة الى نقد ذاتي ورد اعتبار للهوية الوطنية والقومية العربية بأفقها الاجتماعي . ولا بد من الجمع بين النضال الوطني والاجتماعي والنضال على المستوى الداخلي وضد التهديد والمشروع الخارجي الذي يستهدف المنطقة خصوصا المشروع الصهيوني الذي من مصلحته ان يرى العالم العربي مفتتا ومنقسما بل متشظيا .

• بالنسبة للوضع في العراق لو تعطينا مقاربتك للوضع اليوم في ظل استفحال الازمة السياسية والطائفية والأمنية؟
الوضع في العراق هو استمرار للسنوات السابقة خصوصا ما بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 والى الآن. فالعديد من التحديات واجهت الوضع الجديد في العراق لعل أهمها هو الطائفية التي أصبحت باعتراف الجميع عقبة أمام تطور الوضع السياسي والاستقرار . كما عانى العراق من الإرهاب الذي نما وانتشر بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ، بل إنه في عملية تفريخ وازدياد وانتشار وخصوصا بعد احتلال داعش للموصل وأخذ ثلث مساحة العراق . صحيح انه تقهقر في الأنبار وصلاح الدين لكن تأثيراته لا تزال مستمرة والموصل ما زالت بيده وهي ثاني أكبر محافظة عراقية. وترك احتلال داعش للعراق تأثيرات ثقافية واجتماعية ونفسية كبيرة. اولا صار هناك نوع من عدم الثقة بالدولة العراقية وبالجيش العراقي الذي تراجع . وقد وجدت مشكلة جديدة تتعلق بالنزوح فهناك اكثر من ثلاثة ملايين نازح من محافظات الانبار وصلاح الدين وديالا وكركوك والموصل ايضا في سياق ضرب المجموعات الثقافية وهنا على سبيل المثال اذكر ما حصل من سبي لليزيديين وتنكيل للمسيحيين

واجبارهم على التـسلم الداعشي او دفع الجزية او الرحيل. هذا الامر احدث نوعا من التفكك والرعب والهجرة من الموصل الى خارج العراق او اللجوء الى اربيل وغيرها من المناطق . التحدي الثالث والكبير الذي يواجهه العراق ومستمر حتى الان هو تحدي الفساد والفساد المالي والاداري وهو الوجه الآخر للإرهاب واحد اهم الشرايين التي تغذيه ، خصوصا مع ارتفاع الفساد السياسي والاداري والمالي مما ادى الى وجود ميليشيات خارج القضاء لأنها تغذت وحصلت على اموال سواء على المستوى الشخصي او العام من الدولة وبأشكال مختلفة واصبحت هذه الميليشيات قوة حتى أن البعض صرح انها اصبحت اقوى من الدولة العراقية . فالحشد الشعبي صحيح انه جزء من القوات الرسمية العراقية لكن له قيادات خاصة وله امتدادات حزبية وسياسية

تؤثر على مهنية وحرفية الجيش وعلى العقيدة العسكرية للجيش . وغالبية عناصر الحشد الشعبي هم من القوى السياسية الشيعية وهذا خلق رد فعل من العناصر السنية السياسية سواء من الحكم او خارج الحكم . التحدي الآخر المهم هو التحدي الاقليمي ، فالارض العراقية الآن مستباحة . هناك قوى تركية تدخل وتخرج دون اذن الحكومة العراقية لان السيادة العراقية معدومة . وهناك اذرع ايرانية داخل الاراضي العراقية تقصف احيانا بعض القوى كما حصل مؤخرا في كردستان ولديها نفوذ سياسي بالتعاون مع القوى الشيعية السياسية . وهناك ايضا وجود امريكي له نفوذ كبير وعودة مجددا وتتحدث التقارير عن وجود اكثر من اربعة آلاف جندي امريكي في قواعد عسكرية بالقرب من الموصل وصلاح الدين والانبار وهذه كلها عودة الى احتلال ثان على نحو جديد للعراق . ويجري تبرير ذلك في اطار اتفاق موقع بين العراق والولايات المتحدة منذ 2008 ،يجيز للولايات المتحدة التدخل العسكري والسياسي لحماية مصالحها وهي بذلك تؤثر على الوضع العسكري والأمني العراقي تحت عناوين

مختلفة منها الحفاظ على التجربة والتعاون .. هذا الوضع كله ادى الى ان يدخل العراق في ازمة ليخرج منها الى ازمة اخرى وصولا الى ما نحن عليه . اذ تمت اقالة عدد من الوزراء ومحاسبتهم عبر البرلمان كما حصل مع وزير المالية العراقي هوشيار زيباري مؤخرا ووزير الدفاع قبل اسابيع من هذا التاريخ . وهناك توجه لمحاسبة وزراء آخرين منهم ابراهيم الجعفري وعدد من الوزراء الآخرين من الشيعة السياسية. لكن كل ذلك يضعف المعركة مع داعش ويعصف الثقة بالحكومة والدولة العراقية فهي الآن في اسوإ حالاتها . وفي خضم تنامي الاطماع التركية في العراق واستمرار النفوذ الايراني والامريكي ، ترتفع فرضيات التقسيم .

• اذن الى اين ستسير الامور برأيكم في العراق وهل من افق لحل ما ؟
لا بد من العودة الى تعزيز دور الدولة العراقية وهذا يتطلب وجود نخب مؤمنة بذلك من التيارات والاتجاهات ولا بد لهذه النخب من ان تتعاون مع بعضها البعض لرد الاعتبار للمواطنة وجعلها فوق الانتماءات الضيقة الطائفية والدينية . والحديث عن المواطنة يتطلب فسحة جديدة من الحريات خصوصا حرية الانتقاد والتعبير وحرية تشكيل الاحزاب والمنظمات الحقوقية والحق في المشاركة وعدم التمييز وهذا يتطلب المساواة الكاملة . لايوجد حديث عن المواطنة دون مبدأ المساواة وهو يتطلب شيئا من العدالة الاجتماعية. اذ ان المواطنة ستكون ناقصة ومبتورة نتيجة الفقر ولا بدّ من توفير الحد الادنى من العيش الكريم . للأسف نجد ان العراق هو اغنى بلدان المنطقة بينما شعبه افقر الشعوب حاليا والبطالة تصل الى حدود 25 بالمئة ونسبة الأمية

تزيد عن ذلك باعتراف هيئات دولية مستقلة . هنا اهمية تفعيل مبدأ الشراكة والمشاركة ، ولكي تكتمل المواطنة نحتاج الى شراكة بغض النظر عن الانتماء الديني والسياسي والانحدار القومي او الاثني او اللغوي. نحتاج الى بناء طويل الامد لكن المهم وقبل كل شيء ينبغي ان يكون هناك وعي باهمية استعادة هيبة الدولة وفرض سلطانها وقوانينها على الجميع دون تمييز. وقد عبرت عن خشيتي من ان تندلع حرب شيعية -شيعية بين القوى الشيعية المسيطرة على السلطة والنفوذ والمال وقد تندلع حرب سنية- سنية بين القوى الموجودة داخل العملية السياسية او خارجها ، وقد تندلع حرب كردية كردية في اطار الصراع بين القوى الكردية المتنافسة على سلطات الاقليم والنفوذ والثورة ..

• ما تعليقكم على اغتيال الصحافي الاردني ناهض حتر ؟
هو جزء من هجمة ظلامية ضد المثقفين -بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع وجهات النظر - فالمثقف له رأي وله ان يحاجج الرأي بالرأي وتقارع الحجة بالحجة لا ان يقارع الراي بالسلاح والمسدسات والمفخخات . وهذا ما عمله «الاسلام الداعشي» او «الارهاب باسم الاسلام» الذي بدأته تنظيمات اسلاموية منذ عقود من الزمان ثم تطور ليصبح تنظيم القاعدة . ومن بعد اصبحت داعش وجبهة النصرة واخوتهما هي المعبّر عن هذا الشكل من اشكال حل الصراع السياسي بالوسائل العنفية . انا من دعاة اللاعنف وادعو الى الحوار باستخدام جميع الوسائل المشروعة والاعنفية لإثبات صحة او عدم صحة هذا الراي بالوسائل المدنية الحضارية وبما تسمح به القوانين والانظمة المرعية . ويجب ان نناضل سلميا ولا عنفيا لوضع قوانين مرعية

تقبل الراي والراي الآخر والحق في الاختلاف وتحترم وجهات النظر والآراء على اختلاف انواعها . اذن لا يمكن ان يحرز العالم العربي تقدما بالرأي الواحد والذوق الواحد والزعيم الواحد وهذه اصبحت كلها من ارث المرحلة الماضية ومخلفات الماضي . ونحتاج الى رؤية جديدة تقبل التنوع وتعترف به وتحترم وتقر بالحقوق المتساوية وخصوصا حقوق الانسان بغض النظر عن كل الانتماءات السياسية والدينية والسياسية والعرقية وغيرها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115