Print this page

بعد فشل مجلس نواب الشعب في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية للمرة الثالثة على التوالي: العودة إلى المربع الأول أم انتظار مبادرة تشريعية في الغرض؟

مثلما كان متوقعا فشل مجلس نواب الشعب في استكمال انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية للمرة الثالثة

على التوالي، ليكون الحل الوحيد إعادة فتح باب الترشحات من جديد والعودة إلى المربع الأول وانتظار سنة أخرى لتركيز المحكمة، أو انتظار مبادرة تشريعية جديدة تنقح القانون. تعطيل تركيز المحكمة الدستورية جعل المعارضة توجه أصابع الاتهام إلى كتلتي الحرة لمشروع تونس وحركة نداء تونس استنادا إلى خطاب رئيس الجمهورية أول أمس.
ترجمت تخوفات نواب الشعب من عدم حصول أي مرشح من المرشحين الثلاثة لعضوية المحكمة الدستورية سواء من المختصين في القانون أو من غير المختصين، على الأصوات الكافية في الجلسة العامة الانتخابية المنعقدة يوم أمس. حيث فشل البرلمان في استكمال عملية انتخاب للمرة الثالثة على التوالي، بالرغم من حصول المترشحة روضة الورسيغني على أغلبية 150 صوتا في الجلسة الفارطة. هذا الفشل فتح باب الاحتمالات والسيناريوهات والتأويلات على مصراعيها بين الكتل البرلمانية، لكن المأزق الحقيقي لمجلس نواب الشعب يكمن بالأساس في البحث عن حل.

فشل من جديد
فشل المجلس للمرة الثالثة على التوالي يضعه في مأزق وإحراج سياسي باعتبار أن القانون المتعلق بالمحكمة الدستورية، ينص في فصله 11 على «يعيّن مجلس نواب الشعب أربعة أعضاء، ولكل كتلة نيابية داخل مجلس نواب الشعب، أو لكل مجموعة نواب غير منتمين للكتل النيابية يساوي عددهم أو يفوق الحد الأدنى اللازم لتشكيل كتلة نيابية، الحق في ترشيح أربعة أسماء على الجلسة العامة، على أن يكون ثلاثة منهم من المختصين في القانون ينتخب مجلس نواب الشعب الأعضاء الأربعة بالاقتراع السري وبأغلبية الثلثين من أعضائه فإن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة بعد ثلاث دورات متتالية يفتح باب الترشيح مجددا لتقديم عدد جديد من المرشحين بحسب ما تبقى من نقص مع مراعاة الاختصاص في القانون من عدمه. وينتخب مجلس نواب الشعب الأعضاء الأربعة بالاقتراع السري وبأغلبية الثلثين من أعضائه، فإن لم يحرز العدد الكافي من المرشحين الأغلبية المطلوبة، بعد ثلاث دورات متتالية، يفتح باب الترشيح مجددا لتقديم عدد جديد من المرشحين بحسب ما تبقى من نقص مع مراعاة الإختصاص في القانون من عدمه».

اتهام لكتلة الحرة ونداء تونس
فشل الجلسة العامة في انتخاب ثلاثة أعضاء من بين سبعة مترشحين كان متوقعا، حسب مجريات كواليس جلسة التوافقات الصباحية، ليدخل نواب الشعب بالتصويت الحر كل حسب نواياه، وهو ما ساهم في سقوط التصويت، حيث تحصل عن صنف المختصين في القانون العياشي الهمامي 97 صوتا، تليه سناء بن عاشور 68 صوتا، زهير بن تنفوس 8، نجوى الملولي 19، سليم اللغماني 47 صوتا، وعن غير المختصين في القانون عبد اللطيف البوعزيزي 88 صوتا، شكري المبخوت 55 صوتا، مع تسجيل 7 أوراق ملغاة، 7 اوراق بيضاء، بجملة 161 صوتا. نتائج التصويت كانت شبيهة بنتائج الجلسات السابقة، وهو ما يؤكد أن التوافقات لم تتغير مقارنة بالأسبوع الفارط، وهو ما جعل المعارضة تتحدث عن وجود نية لعدم تركيز المحكمة الدستورية متحججين بذلك بما ذكره رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في خطابه أول أمس بمناسبة عيد الاستقلال، حين تحدث عن تأخر تركيز المحكمة الدستورية ملمحا في ذلك إلى إمكانية إصدار مشاريع قوانين لتغيير الأغلبية الحالية المطلوبة 145 صوتا بالأغلبية المطلقة.

العدول عن التوافقات
بالعودة إلى كواليس التوافقات، التي لا يمكن حصرها في جلسة يوم أمس بل في الجلسة العامة المنعقدة بداية الأسبوع الفارط، حين اقتصر البرلمان على انتخاب مرشحة وحيدة وفشل في البقية. وهذا الأمر تسبب في جدل واسع بين رؤساء الكتل البرلمانية الذين اعتبروا أن هناك من الكتل من حادوا عن التوافقات بالرغم من إمضائهم على محضر الجلسة والتزامهم بالتصويت لفائدة المرشحين حينها وهم كل من سناء بن عاشور عن صنف الأساتذة الجامعيين والعياشي الهمامي بصفته ممثلا للمحامين وروضة الورسغيني ممثلة عن سلك القضاة، وفي صنف غير المختصين في القانون تم التوافق على عبد اللطيف البوعزيزي. لكن في المقابل، فإن كسر التوافقات استفادت منها كتلة حركة نداء تونس بمرور مرشحتها، وهو ما أثار حفيظة الكتل الأخرى التي رفضت العودة إلى التوافقات باعتبار أن جزءا منها قد تم بالفعل.

وبعد تداول في المسألة لمدة أسبوع على الأقل، التزم الجميع بما تم التوافق حوله سابقا، إلا أن الجميع تفاجأ برفض كتلة الحرة لمشروع تونس التصويت لفائدة المرشحين العياشي الهمامي عبد اللطيف البوعزيزي بمساندة كتلة حركة نداء تونس حسب ما صرح به النائب عن الكتلة الديمقراطية غازي الشواشي ورئيس كتلة حركة النهضة نور الدين البحيري، خصوصا بعد انسحاب ممثل الكتلة الحرة حسونة الناصفي عن جلسة التوافقات التي سبقت الجلسة العامة معتبرا أنه غير ملزم بالتوافقات. المعارضة كانت من اول الأطراف التي كشفت مجريات الجلسة التوافقية، وهو ما جعل الجلسة صورية بامتياز باعتبار أن نتائجها كانت معلومة سلفا.
في المقابل، عللت كتلة الحرة موقفها بأن النائب حسونة الناصفي تم طرده من الاجتماع ولم ينسحب، على خلفية العدول عن التوافقات السابقة بين مختلف الكتل، بالرغم من أن موقف الحرة كان واضحا منذ التوافقات الأولى برفضها للمترشح العياشي الهمامي.

ما بعد التصويت؟
بقية الكتل ونعني بذلك حركة النهضة، الجبهة الشعبية، الديمقراطية، آفاق تونس، الاتحاد الوطني لم تعترض على التوافقات السابقة، لكن نتائج التصويت لم تشر مباشرة إلى أي كتلة ليضع مجلس نواب الشعب برمته في إحراج أمام الرأي العام وفي مأزق سياسي، باعتبار أن إعادة فتح باب الترشحات من جديد يتطلب إجراءات قد تصل مدتها إلى أكثر من سنة. ففتح باب الترشحات يعود بالمجلس إلى المربع الأول أي على مستوى لجنة الفرز وفتح آجال الترشحات والطعن والفرز الأولى حسب السلم التقييمي ثم اختيار الأسماء التي ستكون مرشحة في الجلسة العامة الانتخابية التي قد تكون سنة 2019 كأقصى تقدير.
كما أن عدم اختيار 4 أعضاء لعضوية المحكمة الدستورية من قبل مجلس نواب الشعب، لا يسهل عملية المرور إلى المرحلة الثانية المتمثلة في اختيار المجلس الأعلى للقضاء بقية الأعضاء ثم المرحلة الثالثة من قبل رئيس الجمهورية. عدم تركيز المحكمة الدستورية قبل انتهاء المدة النيابية للبرلمان، قد يجعل الحل الوحيد في تنقيح القانون مثلما تحدثت المعارضة التي اعتبرت أن ما حصل متعمد من أجل تقديم مبادرة في الغرض مثلما حصل في أزمة تركيز المجلس الأعلى للقضاء حين تم تقديم مبادرة في الغرض ساهمت في فك معضلتها.
السيناريوهات تبقى مفتوحة على كافة الاحتمالات في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القليلة القادمة، سواء انتظار مبادرة من قبل رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أو نواب الشعب لتنقيح القانون، أو إعادة فتح باب الترشحات وتعطيل تركيز المحكمة الدستورية.

المشاركة في هذا المقال