في انتظار التوافق حول مشروع قانون مكافحة المخدرات: مجلس نواب الشعب يقتصر على تنقيح جزئي للفصل 12 من القانون عدد 52

بالرغم من مصادقة مجلس نواب الشعب على تنقيح القانون عدد 52 لسنة 1992 والمتعلق بالمخدرات، إلا أنه يبقى تنقيحا منقوصا وجزئيا، في ظل غياب رؤية شاملة تهدف إلى معالجة الظاهرة على كافة المستويات. وفي انتظار المصادقة على مشروع القانون المتعلق بمكافحة

المخدرات العالق في لجنة التشريع العام، سيكون هذا التنقيح خطوة إلى الأمام نحو التوافق في كافة المسائل المتعلقة بالسياسة الجزائية والوقاية والعلاج من هذه الآفة.

صادق مجلس نواب الشعب خلال جلسة عامة يوم أمس على مشروع القانون المتعلق بتنقيح القانون عدد 52 لسنة 1992 المتعلق بالمخدّرات بـ 133 نعم 05 احتفاظ و02 رفض، وذلك بعد فشل لجنة التشريع العام في المصادقة على مشروع القانون المتعلق بمكافحة المخدرات والذي يحمل إستراتيجية شاملة بداية من العلاج والوقاية إلى غاية العقوبات البديلة ومحاصرة المروّجين. تنقيح الفصل 12 من مشروع قانون عدد 52 المعمول به حاليا، وإن يعتبر وقتيا وغير ناجع، إلا أن نواب الشعب يعتبرونه مكسبا وحلا ظرفيا في انتظار استكمال المصادقة على مشروع القانون الجديد برمته.

إيجاد معالجة ومقاربة شاملة
تنقيح الفصل 12 من قانون عدد 52 لسنة 1992، يهدف إلى إعطاء حيز من السلطة التقديرية للقاضي، حسب ما اعتبره نواب الشعب خلال النقاش العام، الذين اعتبروا أن الأهمية تكمن بالأساس في مشروع القانون المقدم من قبل الحكومة والمتعلق بتغيير القانون عدد 52 برمته والذي لا يزال حبيس التوافق في لجنة التشريع العام. وفي هذا الإطار اعتبر النائب عن كتلة مشروع تونس صلاح البرقاوي أن مشروع القانون متعلّق بسلطة القاضي في تفريد العقوبة، إلا أنه يبقى منقوصا باعتبار أن المحاكم اعتادت على النظر في قضايا الاستهلاك دون التركيز على المروّجين. هذا الأمر يستوجب قانونا كاملا يستجيب لمتطلبات المرحلة أمام انتشار الظاهرة، حيث طالب نواب الشعب بضرورة التشديد على المروّجين في القانون المتعلق بالمخدّرات وتخفيف العقوبات على المستهلكين، بالإضافة إلى العمل على معالجة الظّاهرة وفق مقاربة شاملة مقابل الاستغناء عن العقوبة السّجنيّة للضّحايا والمغرّر بهم.

من جهة أخرى، فإن مشروع قانون عدد 52 قد أثبت عدم نجاعته ولعل أكبر دليل على ذلك تطور ظاهرة استهلاك المخدرات، حيث بين النائب عن حركة النهضة عماد الخميري أن السّياسة الجزائيّة لم تواكب التغّييرات التي شهدتها بنية المجتمع التّونسي لذلك يجب تحويرها جذريّا، مشيرا إلى أن السّجن لم يقض على استهلاك المخدّرات وإنّما ساهم في مزيد الانحراف وانتشار الظّاهرة، وهو ما يجعل معالجة هذه الظاهرة على جميع المستويات تلاقي شبه إجماع في صفوف نواب الشعب من مختلف الكتل البرلمانية، لكن في المقابل فإنه يجب التركيز على الوقاية والردع التدريجي للمستهلكين.

أهمية الوقاية والعلاج
التنقيح يبدو جزئيا في مضمونه باعتباره لا يعالج هذه الظاهرة، وإنما لتمكين القاضي من السلطة التقديرية في إصدار الأحكام على المستهلكين، لكن قد يكون هذا التنقيح فرصة من أجل التوافق على مشروع قانون مكافحة المخدرات نظرا لأهمية العلاج والوقاية. وبين النائب عن الجبهة الشعبية مراد الحمايدي أنه لابد من الحد من العقاب المسلط على الشباب التونسي المدمن على المخدرات وإنقاذه من خلال اللجوء الى العلاج، معتبرا أن المبادرة المعروضة لتنقيح القانون عدد 52 لا تعني شيئا في ظل غياب رؤية جزائية واضحة فيما يتعلق بظاهرة المخدرات، وأكبر دليل على ذلك تنقيح الفصل 12 من قانون عدد 52 الذي يعكس غياب رؤية إصلاحية وجزائية شاملة قادرة على إنقاذ الشباب.
لكن الغريب في الأمر أن النقاش العام ابرز توافقا حول ضرورة التسريع في المصادقة على مشروع قانون مكافحة المخدرات، خصوصا بين كتلتي حركتى النهضة ونداء تونس اللذان تسببا في تعطيل المشروع على مستوى لجنة التشريع العام. وقد أكدت النائبة عن كتلة حركة نداء تونس نجلاء السّعداوي أن النقاش خلال هذه الجلسة ينحصر في تنقيح الفصل 12 من القانون عدد 52، إلا أن الجميع متشبث بتغيير هذا القانون ككلّ، لكن بالرغم من أهمية هذا التّنقيح ونقائصه سيكون خطوة نحو إدخال إصلاحات شاملة لمحاربة هذه الآفة.

رفض مقترح تعديل
في المقابل، قدم عدد من النواب بعض الانتقادات بخصوص تنقيح الفصل 12 الذي اعتبروه منقوصا لارتباطه ببعض الفصول الأخرى، حيث اعتبر النائب عن التيار الديمقراطي عازي الشّواشي أنه يوجد خلل في تنقيح الفصل 12 دون مراجعة الفصل 14 من القانون عدد 52 /1992 الذي يقضي بالحكم بأقصى العقوبات عند العود. وهو ما جعل النواب غازي الشواشي وسامية عبو ونعمان العش وسالم الأبيض ورضا الدلاعي يقدمون مقترح تعديل بإضافة فقرة جديدة في آخر الفصل 12 « لا تنطبق على أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية على الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون باستثناء تلك المنصوص عليها بالفصلين 4 و 8 ومنه ولو في صورة العود»، لكن تم التصويت ضد هذا المقترح، ليقتصر مشروع القانون على المصادقة على تنقيح الفصل الوحيد» لا تنطبق أحكام الفصل 53 من المجلة الجزائية على الجرائم المنصوص عليها بهذا القانون باستثناء تلك المنصوص عليها بالفصل 4 منه».

تنقيح وقتي
الجميع في انتظار المصادقة على مشروع القانون الجديد في انتظار التوافق حوله صلب لجنة التشريع العام، وهو ما أكده وزير العدل غازي الجريبي في مداخلته، حيث اعتبر بدوره أنه لابد من الإشارة إلى أن آفة المخدرات هي آفة تنخر كافة الشباب في مختلف دول العالم، لكن يجب العمل على إيجاد حلول لها. وأضاف أن عرض مشروع القانون المتعلق بمكافحة المخدرات على اللّجنة أفرز عديد الإشكالات والصّعوبات وهو ما جعل التّوافق فيه صعبا، ليكون تنقيح الفصل 12 من القانون عدد52 مسألة عاجلة إلا أنه لن يحلّ جميع الإشكالات في انتظار تناول مشروع ذي مقاربة شاملة، وذلك من خلال العمل على خلق وتفعيل العقوبات البديلة في النصّ الجديد.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115