بعد قبول مقترحات الحكومة مقابل مقترحات النواب: مجلس نواب الشعب يصوّت على مشروع قانون التبليغ عن الفساد وحماية المبلغين عنه

أخيرا، صوت مجلس نواب الشعب على مشروع القانون المتعلق بالتبليغ عن الفساد وحماية المبلغين عنه بـ 145 صوتا دون احتفاظ تصويت تم بعد جدل متواصل بين نواب الشعب والحكومة، وجاءت عملية التصويت على إثر التوافق الحاصل بين الطرفين وذلك بقبول مقترحات الحكومة مقابل قبول مقترحات النواب.

مشروع القانون الذي سيكون أولى التشريعات في محاربة الفساد في انتظار عديد التشريعات الأخرى المحالة على أنظار البرلمان.

بعد اقتصار الجلسة العامة المخصصة لمناقشة مشروع القانون المتعلق بالإبلاغ عن الفساد وحماية كاشفيه على النقاش العام والاستماع إلى ردود عبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية والحوكمة، وذلك لفسح المجال أمام لجنة التوافقات للحسم في المقترحات الحكومية والمقدمة من قبل الكتل البرلمانية. هذا وقد انطلقت الجلسة العامة صباح أمس بمناقشة فصول مشروع القانون، حيث تم قبول المقترح التوافقي المقدم من قبل جهة المبادرة والمتمثل في العودة إلى الصيغة الأصلية الواردة على اللجنة بحذف عبارة «كاشف الفساد» في العنوان ليصبح «مشروع قانون متعلّق بالتبليغ عن الفساد وحماية المبلغين عنه».

التوافق...
الجلسة العامة هيمنت عليها الصيغة التوافقية في مختلف مقترحات التعديل المقدمة من قبل الحكومة، وذلك على إثر سلسلة من الاجتماعات بين رؤساء الكتل ومكتب لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية ووزير الوظيفة العمومية. لكن في المقابل، تم الحفاظ على صيغة الفصل الثاني الذي يعرف الفساد، بالرغم من مطالبة الحكومة بالعودة إلى التعريف الأول. المقترحات المقدمة تميزت بالحسابات بين النواب والحكومة، باعتبار أن الحكومة قدمت مقترحات من أجل اسقاط التعديلات التي أجرتها اللجنة، إلا أن الجلسة العامة أخذت المقترحات ووافقت عليها من هذا الجانب وذاك.

تنقيح تعريف الفساد وكاشفه
وبالرغم من تغيير مصطلح «كاشف الفساد» في عنوان المشروع، إلا أنه تم الحفاظ عليه في مختلف الفصول. المقترحات المقدمة من قبل الحكومة تم قبولها في مجملها خصوصا في الفصل 2 المتعلق بتعريف الفساد وكاشف الفساد، حيث جاءت الصيغة المقدمة من قبل الحكومة أشمل واوسع من الصيغة المقدمة من قبل اللجنة. ويعتبر كاشف الفساد «كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم عن حسن نية بإبلاغ السلطات المختصة بمعلومات تمثّل قرائن جدية أو تبعث على الاعتقاد جديا بوجود أعمال فساد قصد الكشف عن مرتكبيها وذلك طبقا للشروط والإجراءات المنصوص عليها بهذا القانون. في حين ان الفساد تم توسيعه ليشمل كل تصرف مخالف للقانون والتراتيب الجاري بها العمل يضر أو من شأنه الإضرار بالمصلحة العامة وسوء استخدام السلطة أو النفوذ أو الوظيفة للحصول على منفعة شخصية، ويشمل جرائم الرشوة بجميع أشكالها في القطاعين العام والخاص والاستيلاء على الأموال العمومية أو سوء استعمالها، وجميع الإثراء غير المشروع وخيانة الأمانة وسوء استخدام أموال الذوات المعنوية وغسل الأموال وتضارب المصالح واستغلال المعلومة الممتازة والتهرب الجبائي وتعطيل قرارات السلطة القضائية وكل الأفعال التي تهدد الصحة العامة أو السلامة أو البيئة.

التصويت ضد المفعول الرجعي
لكن في المقابل، تم الحفاظ على الصيغة المقدمة من قبل اللجنة في حدود الفصل 5 المتعلق بالجهة المختصة بتلقي الإبلاغ من خلال المحافظة على الهيئة كجهة وحيدة لتلقي البلاغات. كما تمت المحافظة على الفصل 10 والذي ينص « يجب على كاشف الفساد كشف هويته لدى الهيئة. وله أن يطلب الحفاظ على سرية هويته في جميع مراحل التثبت من ابلاغه. قبول المقترحات الحكومية لم يكن سببا في قبول مقترحات النواب، ولعل أبرز مثال على ذلك التصويت ضد تعديل الفصل 17 بإعطاء مشروع القانون مفعول رجعي ليشمل ضحايا المبلغين عن الفساد في السنوات الفارطة، وهو مطلب جماعي برز خلال النقاش العام أول أمس. ومع ذلك فقد تمت إضافة فصل 8 إضافي ينص على تطبيق أحكام القانون على كل ملفات الابلاغ عن حالات الفساد التي ما تزال منشورة أمام القضاء أو محل تقاضي الهيئة أو سائر الجهات المعنية.

امتيازات وتشجيعات لكاشفي الفساد
لكن كاشف الفساد سيحظى حسب هذا الفصل بعديد الامتيازات «الحماية من أيّ شكل من أشكال الإنتقام أو التمييز أو الترهيب أو القمع. كما تتمّ حمايته من أيّ ملاحقة جزائية أو مدنية أو إدارية أو أيّ إجراء آخر يلحق به ضررا ماديا أو معنويا إذا كان كل ذلك بمناسبة الإبلاغ أو تبعا له»، مع استثناء من يقدّم عمدا، تبليغا بقصد الإضرار بالغير دون وجه حقّ. كما ينص الفصل 18 على عدم الزام الحجة خلال تقديم المعلومات في إطار التشجيع على التبليغ، بالاضافة إلى الحفاظ على سرية هوية الكاشف بشكل كامل إلا بعد موافقته المسبقة والكتابية حسب الفصل 20، على أن لا يتم تسليط أي عقوبة تأديبية أو جزائية على أساس مخالفته للسر المهني أو لواجب التحفظ حسب الفصل 21. ومن أهم الامتيازات التي يتمتع بها كاشف الفساد حسب ما جاء الفصل 21، بتوفير الحماية الشخصية لكاشف الفساد بالتنسيق مع السلطات العمومية المعنية بتوفيرها، أو نقلة كاشف الفساد بطلب منه أو بعد موافقته من مكان عمله وفق ما تقتضيه ضرورات الحماية، توفير الإرشاد القانوني والنفسي لكاشف الفساد، منح كاشف الفساد وسائل للإبلاغ الفوري عن أيّ خطر يتهدّده، أو يتهدّد أي شخص من الأشخاص وثيقي الصلة به، بمناسبة التبليغ أو تبعا له، تعديل إجراءات الحماية بأي شكل من الأشكال وفق ما تقتضيه مصلحة كاشف الفساد، اتّخاذ أيّة تدابير أخرى من شأنها منع كلّ ضرر مهني أو جسدي أو معنوي عن كاشف الفساد.
هذا وتمنح الدولة مكافأة مالية لكاشفي الفساد الذين أدّى إبلاغهم إلى الحيلولة دون ارتكاب أيّ من جرائم الفساد في القطاع العام أو إلى اكتشافها أو اكتشاف مرتكبيها أو البعض منهم أو استرداد الأموال المتأتّية منها حسب الفصل 26.

تسليط العقوبات
من جهة أخرى، صوتت الجلسة العامة على الفصول المتعلقة بتسليط العقوبات في الفصول من 32 إلى 35، حيث يعاقب بالسجن من سنة إلى 5 سنوات وبخطية مالية تتراوح بين ألف دينار و5 آلاف دينار، كل من تعمّد كشف هوية كاشف الفساد، بأيّ وسيلة كانت، ولا يحول ذلك دون تسليط العقوبات التأديبيّة على كاشف الهوية إذا كان عونا عموميا. كما يعاقب من 5 إلى 10 سنوات وبخطية مالية تتراوح بين 5 آلاف دينار وعشرة 10 آلاف دينار في حال أدّى الكشف إلى إيقاع ضرر جسدي جسيم بكاشف الفساد أو أيّ شخص من الأشخاص. في حين تم تعديل الفصل 33 « یعاقب بالسجن من 6 أشهر إلى سنتین كل من یلجأ إلى اتخاذ تدابیر انتقامیة أو الترهیب أو التهدید مباشرة أو بواسطة وبأي شكل من الأشكال ضد شخص كاشف الفساد أو أي شخص من الأشخاص، وفي صورة إلحاق ضرر جسدي أو معنوي جسیم یعاقب الفاعل بالسجن من 5 إلى عشر 10 سنوات.

التصويت ضد الفصول الاضافية
وبعد نهاية المصادقة على فصول مشروع القانون، تقدمت مختلف الكتل بمقترحات إضافة فصول إلا أن أغلبها تم التصويت ضدها، ومن أهمها المقترح المقدم من قبل نواب التيار الديمقراطي المتمثل في حماية الصحفيين الذين يقومون بعمل استقصائي قد يكشف عن حالات وجود شبهات فساد. وفي الأخير تم التصويت على الأحكام الانتقالية وهي أن تتولّى الهيئة المحدثة بمقتضى المرسوم الإطاري عدد 120 لسنة 2011 المؤرخ في 14 نوفمبر 2011 المتعلق بمكافحة الفساد، التعهد بالمهام المسندة بمقتضى هذا القانون لهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد المنصوص عليها بالفصل 130 من الدستور وابداء الرأي في مشاريع النصوص القانونية المتصلة بمجال اختصاصها، وذلك إلى حين مباشرة الهيئة المعنية لمهامها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115