Print this page

على خلفية شبهة فساد حول الأمر الحكومي المتعلق بالسكن الأول: لجنة المالية وجها لوجه مع وزير التجهيز والإسكان

على خلفية الجدل الحاصل حول برنامج السكن الأول، وزير التجهيز وأعضاء لجنة المالية وجها لوجه، تسببت في انتقادات لاذعة بين الطرفين بلغت إلى حد المطالبة باستقالته ورفض دعوة الوزير المكلف بالعلاقة مع المجلس للحضور مجددا في لجنة المالية في ظل تشبث الوزير

بالأمر الحكومي معللا تفادي الأمر بأوامر ترتيبية أخرى.

بعد القيل والقال حول وجود شبهة فساد في ما يتعلق بالأمر الحكومي حول برنامج السكن الأول من قبل لجنة المالية والتخطيط والتنمية بمجلس نواب الشعب، وذلك لمخالفته لما تم الاتفاق عليه في حدود الفصل 61 من مشروع قانون المالية لسنة 2017، حيث قام وزير التجهيز بتحديد قائمة محددة ومضبوطة تضم أسماء الباعثين العقاريين المخول التعامل معهم في ما يخص المسكن الأول، وهو ما أثار عديد الشكوك حول ماهية المعايير التي تم ضبطها من أجل اختيار باعثين دون غيرهم، باعتبار أن الفصل 61 من القانون لم ينص على حصر الحصول على المسكن الأول من قبل الباعث العقاري «تتولى الدولة إحداث خط تمويل بمبلغ 200 مليون دينار لفائدة العائلات متوسطة الدخل، يتم بمقتضاه توفير قرض ميسر لتغطية التمويل الذاتي المطالب به المنتفع قصد اقتناء مسكن أول ويتم ضبط صيغ البرنامج وشروط الانتفاع بالتمويل على موارد الخط المذكور وإجراءات إسناده بمقتضى أمر حكومي».

المطالبة باستقالة وزير التجهيز
أسبوع كامل رافق هذا الجدل، ليكون يوم أمس حاسما بعد الاستماع في جلسة لجنة المالية إلى كل من وزير التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية محمد صالح العرفاوي، ووزيرة المالية لمياء الزريبي وكذلك إياد الدهماني الوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس النواب حول هذه المسألة. ومثلما كان متوقعا فقد شهدت أعمال الجلسة تشنجات وانتقادات لاذعة بلغت إلى حد التجريح في شخص الوزير من قبل نواب التيار الديمقراطي. التشنجات رافقت الجلسة منذ بدايتها خصوصا خلال النقاش بين نواب الشعب بالرغم من محاولات العرفاوي والدهماني إقناع النواب بأهمية هذا القرار ووجود أوامر أخرى بصدد الانجاز، إلا أن تدخل النائب عن التيار الديمقراطي نعمان العش أثار بعض التشنجات على إثر مطالبته بإقالة الوزير باعتبار أن العصابات واللوبيات هي من تسببت في وضعه على رأس الوزارة.
تصريح العش أثار حفيظة نواب الائتلاف الحاكم، الذين رفضوا مثل هذه التصريحات المهينة بالرغم من انتقادهم للأمر الحكومي، حيث عبر اغلب النواب على ضرورة تفادي هذا الخطأ بعد الإقرار به عوضا عن التبرير ومحاولة الدفاع عن الخطإ، حيث بين النائب عن حركة النهضة محمد بن سالم أنه ليس هناك مصلحة أو مبرر من تحديد قائمة الباعثين العقاريين، بل يجب ترك المجال مفتوحا.

التشبث بالخطإ..
العلاقة بين مجلس نواب الشعب والحكومة خلال هذه الفترة تبدو متوترة للغاية، وهو ما تأكد من خلال تصريح الوزير المكلف بالعلاقة مع المجلس إياد الدهماني، الذي أكد أن الحكومة ملتزمة بإصدار أمرين آخرين على غرار الأمر المتعلق بالباعثين العقاريين، وهما الأمر المتعلق بالخواص، والأمر المتعلق بالتمويل الذاتي، حيث كان من الأفضل على لجنة المالية ورئيسها المنجي الرحوي مراسلة الوزارة أو الحكومة قبل توجيه الاتهامات وإثارة المسألة في وسائل الإعلام ولدى الرأي العام. في المقابل، اعتبر النائب عن كتلة مشروع تونس أن الدور الرقابي لمجلس نواب الشعب على أعمال الحكومة لا يجب أن يثير استياء أي طرف، خصوصا وان وزير التجهيز لا يزال متشبثا بخطئه ولا يسعى إلى تفاديه.

من جهة أخرى، فقد بين الوزير أنه لم تتم مخالفة الفصل 61 من قانون المالية، وإنما تم إصدار الأمر الأول بهدف التسريع وتمكين المواطنين من الحصول على مساكنهم، في انتظار استكمال بقية الأوامر التكميلية. إلا أن أعضاء اللجنة اعتبروا أنه لا يمكن إصدار أكثر من أمر بل يجب أن تكون كافة الإجراءات في أمر واحد وهو ما ستتم الاستشارة بخصوصه لدى المحكمة الإدارية من أجل التثبت. كما شكل هذا التصريح كذلك بعض الانتقادات خصوصا من قبل رئيس كتلة الاتحاد الوطني الحر طارق الفتيتي الذي اعتبر أن الأمر كان جاهزا قبل المصادقة على قانون المالية، باعتبار أن مضمونه يتناسب مع الصيغة الأولى التي جاءت بها الحكومة وهي «تتولى الدولة إحداث خط تمويل بمبلغ 250 مليون دينار لفائدة العائلات متوسطة الدخل، يتم بمقتضاه توفير قرض ميسر لتغطية التمويل الذاتي المطالب به المنتفع قصد اقتناء مسكن أول منجز من قبل باعث عقاري ويتم ضبط صيغ البرنامج وشروط الانتفاع بالتمويل على موارد الخط المذكور وإجراءات إسناده بمقتضى أمر حكومي».

في أسباب التعامل مع الباعثين العقاريين
هذا وقد أكد وزير التجهيز محمد صالح العرفاوي في مداخلته أن التعامل مع الباعثين العقاريين كان بهدف الاتجاه نحو البناء المنظم والمحافظة على الأراضي الفلاحية والحد كذلك من البناء العشوائي، حيث يضمن الباعث العقاري منتوجا سكنيا لائقا فيه كافة الشروط المنصوص عليها في الاتفاقيات. وأضاف أن الوزارة قد أصدرت بلاغات في هذا الصدد استجاب لها 31 باعثا عقاريا و17 بنكا، تم إعداد اتفاقية رباعية بين كل من البنوك المعنية والبنك المركزي ووزارتي المالية والتجهيز، تزامن مع إعلان قرابة 50 باعثا عقاريا جديدا نيتهم في الانصهار صلب هذا البرنامج.

وإن بدت تتجه الأمور نحو التوافق بين النواب والوزير من أجل إصلاح الأخطاء، لكنها سرعان ما عادت إلى نقطة الصفر نتيجة مغادرة إياد الدهماني للقاعة فور الانتهاء من إلقاء كلمته ليعود في آخر الجلسة، وهو ما جعل رئيس اللجنة المنجي الرحوي يؤكد عدم دعوته للدهماني مستقبلا صلب أعمال اللجنة. خلافات من هذا الجانب وذاك نتيجة الحسابات السياسية السابقة بين الدهماني والرحوي ألقت بظلالها على سير أعمال الجلسة، وهو ما يضع الحكومة أمام طائلة المساءلات، خصوصا وأن الأمر الحكومي صادق عليه مجلس الوزراء ليكون رئيس الحكومة يوسف الشاهد هو نفسه محل مساءلة.

المشاركة في هذا المقال