بعد طلبها تأجيل الجلسة العامة للمصادقة على مشروع قانون حماية المبلغين عن الفساد: بوادر تصدع العلاقة بين الحكومة ومجلس نواب الشعب

يبدو أن العلاقة بين الحكومة ومجلس نواب الشعب تتسم بالتصدع والخلاف هذه المدة، فبعد معضلة رفض لجنة المالية للأمر الحكومي المتعلق بالسكن الأول، تجدد الخلاف هذه المرة من جديد في أقل من أسبوع بعد طلب الحكومة تأجيل موعد الجلسة العامة المخصصة للنظر في مشروع قانون حماية المبلغين عن الفساد.

الأمر الذي وضع الحكومة في قفص الاتهام وذلك لما اعتقده نواب الشعب من وجود نية من أجل سحبه.

جاء مطلب الحكومة في ساعة متأخرة من ليلة أول أمس والقاضي بتأجيل الجلسة العامة المزمع عقدها يوم أمس والمخصصة للنظر في مشروع القانون المتعلق بحماية المبلغين عن الفساد، مفاجئا بالنسبة لنواب الشعب. قرار يبدو أنه كان صادما واثر كثيرا في نفوس النواب من مختلف الكتل البرلمانية وذلك لثلاثة اعتبارات جوهرية، أولهما يتمثل في تحول النواب من جهاتهم وحتى من خارج حدود الوطن إلى العاصمة من أجل الحضور في الجلسة العامة، ليجدوا أنفسهم أمام أروقة خالية من أية نشاط برلماني يذكر. أما الاعتبار الثاني والذي طرح عديد التساؤلات حول الأسباب الحقيقية لطلب تأجيل الجلسة العامة ان هناك بعض الأخبار تفيد بوجود نية من قبل الحكومة لسحب مشروع القانون بالرغم من أن أولوياتها وضمن بنود وثيقة قرطاج تنص على ضرورة مكافحة الفساد والتصدي له. في حين أن الاعتبار الثالث هو حالة الاستياء التي يعيشها النواب لما اعتبروه استهانة بمكانة المجلس وعدم احترام لذواتهم.

حملة ضد الحكومة
حالة من الاحتقان والغليان شهدها مجلس نواب الشعب على امتداد يوم أمس، حتى أن البعض منهم وصف هذه العملية بمثابة الاهانة لهم بصفة خاصة وللسلطة التشريعية بصفة عامة. وعلى إثر ذلك شن عدد من النواب خصوصا من قبل المعارضة حملة ضد الحكومة في مواقع التواصل الاجتماعي بلغت إلى حد التجريح والنقد اللاذع. حيث اعتبر النائب عن حركة مشروع تونس عبد الرؤوف الماي أن الحكومة «مزبلت» مجلس نواب الشعب في أكثر من مناسبة وآخرها مسألة الأمر الحكومي المتعلق بالسكن الأول المقدم إلى لجنة المالية والمخالف للفصل 61 من قانون المالية لسنة 2017، على غرار رفض الحكومة إصدار الأمر الترتيبي المتعلق بالمجلس الوطني للتونسيين بالخارج بالرغم من مرور 7 أشهر على تاريخ المصادقة عليه.

في أسباب تأجيل الجلسة العامة
أسباب تأجيل الجلسة العامة أرجعها نواب الشعب بالأساس إلى وجود نية من قبل الحكومة لسحب مشروع القانون، وعلى ما يبدو أن الحكومة لم تكن لها الشجاعة الكافية لسحبه في الإبان خصوصا بعد طلب التأجيل الذي لم يحدد فيه موعد لاحق للجلسة القادمة. وتأتي هذه النية نتيجة للتغيرات الجوهرية على مضمون مشروع القانون من قبل لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية، وكنا قد نشرنا في عدد سابق تخوفات أعضاء اللجنة من سحب مشروع القانون وذلك بعد تنقيح أغلب الفصول وإضافة فصول أخرى وذلك لما اعتبرته اللجنة من رداءة الصيغة الواردة من قبل الحكومة والتي وصفت حينها بـ»الهزيلة» لدرجة أنها تحمي الفاسدين أكثر من حماية المبلغين عنهم، إضافة إلى تكريسها لمبدأ الإفلات من العقاب. هذا وقد بينت عضو اللجنة ريم الثائري أن هناك نية من قبل الحكومة لسحب المشروع بعد ان اشتغلت عليه اللجنة بالشراكة مع المجتمع المدني لمدة أكثر من شهرين وبعد أن صادقت عليه اللجنة بإجماع نوابها، مشيرة إلى أن لجنة الحقوق والحريات مدعوة إلى الاجتماع للنظر في قرار الحكومة. ويذكر أنه حسب الفصل 137 من النظام الداخلي «يحق لجهة المبادرة التشريعية سحب مبادرتها ما لم تعرض على الجلسة العامة على أن يكون السحب معللا».

لكن في المقابل، فقد جاء مطلب تأجيل الحكومة من خلال اتصال رسمي من رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر، وذلك لوجود عبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية والحوكمة في الخارج. لكن هذا الأمر لم يقنع نواب الشعب باعتبار أنه كان بالإمكان تعويضه بالوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس نواب الشعب مثلما حصل في أكثر من مناسبة، وفي هذه الحالة استحال عقد الجلسة العامة باعتبار أنه في حالة عدم استعداد الحكومة لإجراء الجلسة وعدم حضور أي ممثل عنها فإن المشروع لا يمكن مناقشته.

إشكالية تغيير مشاريع القوانين
إن إشكالية تغيير اللجان القارة لمشاريع القوانين الحكومية طالما أحدثت جدلا وخلافا بين الحكومة ومجلس نواب الشعب، ولعل تجربة قانون المجلس الأعلى للقضاء أكبر دليل على ذلك حين غيرت لجنة التشريع العام من ملامح مشروع القانون، متسببة في ذلك بتعطيله في أكثر من مناسبة بلغت إلى حد الطعن في دستوريته. الإشكالية في مسألة تغيير مشروع القانون تبقى مسألة غير واضحة باعتبار أن اللجنة من حقها إدخال التغييرات التي تراها مناسبة على ضوء المقترحات المقدمة من قبل الكتل أو جلسات الاستماع التي تسبق عملية المصادقة على الفصول، لكن شريطة أن تكون في نفس التمشي التي أقرته الحكومة أي أن تتبنى تلك المقترحات. وقال النائب غازي الشواشي في هذا الإطار، أنه من حق اللجان البرلمانية إدخال كل التغييرات التي تراها مناسبة و لو كانت جوهرية بشرط آن لا يخرج القانون عن عنوانه ومضمونه وأهدافه التي من اجلها قدم لمجلس نواب الشعب، دون نسيان أن البرلمان يعتبر السلطة التشريعية و الكلمة الأخيرة تعود له. وبين أن هذا الأمر لا يمنع الجهة التي قدمت مشروع القانون للبرلمان أن تتولى سحبه في حالة اعتقادها بان التعديلات التي أدخلت عليه من طرف اللجنة قد انحرفت به أو غيرت في مضمونه إلى حد انه أصبح غير القانون المراد سنه.

مشروع القانون والذي انطلقت فيه لجنة الحقوق والحريات يوم 15 نوفمبر 2016، وانتهت منه يوم 8 فيفري 2017، وذلك بعد عقد 14 اجتماعا بمعدل 52 ساعة و30دقيقة عمل، تم تغيير عديد الملامح فيه بهدف تطويره وأبرزها حذف الفصل 10 وذلك تماشيا مع التعديل المدخل على الفصل السابع، حيث بات التبليغ عن ملفات الفساد لدى الهيئة عوضا عن الهياكل الإدارية المختصة، ثم تغيير اسم المبلغ عن الفساد بالكاشف عن الفساد، ثم تحويل صبغة القانون من عادي إلى أساسي وتوسيع نطاق القانون في العقوبات وكيفية الحماية وتعريف الفساد وغيرها من المفاهيم التي تطرقنا إليها في عديد المقالات السابقة المواكبة لأعمال اللجنة. هذا وقد أعدت اللجنة تقريرا تأليفيا يفسر أسباب التغييرات الجوهرية التي أجريت على مشروع القانون.

إضاعة للوقت وللجهود
من جهة أخرى، فإن هذا التأجيل تسبب في تعطيل أشغال المجلس ليوم كامل ويمكن أن يتواصل إلى اليوم باعتبار أن الجلسة كانت مبرمجة على امتداد يومين، حيث كان من الأفضل استثماره في أشغال أخرى أو المصادقة على مشاريع قوانين أخرى جاهزة في حالة طلب الحكومة التأجيل منذ مدة وليس في ليلة الجلسة العامة. إن عمليات السحب من أكثر المسائل المثيرة للجدل والتي تحط من نجاعة عمل اللجان البرلمانية، باعتبار أنه بعد جهود متعددة من جلسات الاستماع والنقاشات والمصادقات والانتهاء من مشروع القانون قد تكون له انعكاسات ايجابية على أرض الواقع، يتم سحبه والاستغناء عنه!!.

الأجواء مشحونة حاليا صلب مجلس نواب الشعب، مع استغلال المعارضة لهذا الظرف بدءا من التشكيك في نيتها لمحاربة الفساد، قد يخلق ذلك بوادر تصدع وتوتر بين السلطتين قد تضع بذلك رئيس الحكومة ووزير الوظيفة العمومية في حالة عدم تحديد جلسة عامة أخرى أمام الأسئلة الشفاهية وجلسات المساءلة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115