العقل السياسي التونسي: متى سنتحرر من مورث صراع المعسكرين؟

من يراقب المشهد السياسيّ التونسي والمواقف المعلنة من الفاعلين الأساسيين فيه لن يكون من الصعب عليه ملاحظة الاصطفاف الإيديولوجيّ الصريح أو المبطّن

الذي يحدد سياسات هذا الطرف او ذاك ويحدد موقفه من مؤسسات او من صراعات دولية.
فما يقود الى أغلب المواقف المعلنة اليوم في الساحة التونسية، سواء من قبل السلطة او من قبل المعارضة، ما يمكن وصفه اليوم بالعقل السياسي التونسي، الذي باتت له سمات ومميزات أبرزها انه يتعاطى مع عدد من القضايا الإقليميّة والدولية بما ورثه من "سلوكيات" وتقاليد راكمها خلال تشكله كعقل "احتجاجي" يتعاطى العمل السياسي كفعل "نضالي". لا من خلال مقاربة تستند الى التّقاليد والأعراف الديبلوماسية والمبادئ الأساسيّة للعلاقات الدّوليّة والمصالح العليا للبلاد
. اذ يقع النّظر إلى مثل هذه القضايا من منظور إيديولوجيّ تبلورت عناصره منذ عقود، مما يجعل هذا العقل السياسي نادرا ما يأخذ بعين الاعتبار مقتضيات الواقع الجيوسياسيّ المتحكّم في التّغيّرات الكبرى التي تشهدها المنطقة والعالم، بل هو منغمس في الذّاتيّة التي تتقاطع مع منطلقات إيديولوجيّة ورثتها التيارات السياسية التونسية من مؤسسيها ومنظريها دون تحديد اية مقولة او اية اطروحة مما جعل العقل السياسي عقلا "مدرسيّا" يرفض مغادرة أطارحاته القديمة التي تشكّلت في زمن سابق وباتت يشكل مسلمات تتحكم في الفعل والعقل السياسي الذي عجز اليوم عن استيعاب المتغيّرات وتجديد منهجية وآليّات تمثّله للعالم المحيط به. لذلك غرق في المنهج السجالي المتميز بتجنب فهم الواقع وتحليل عناصره مقابل لجوئه الى الإيديولوجي للبرهنة على صحة أطروحاته.
هذا ما تأسس عليه موقف جل الفاعلين السياسيين في تونس اليوم من "صندوق النقد الدولي" ومن الصراعات الإقليمية والدولية اذ يلجأ الى مقولات جاهزة تستبطن أطروحات صراع المعسكرين مستندا إلى الرأي والاعتقاد "بالعدالة" من منظورها القانوني بدلا عن العقلانيّة و العقل البارد الضروريين للفهم الواقع لذلك نجد ان تمثل صندوق النقد الدولي لدى جل الفعليين السياسيين في تونس، من سلطة تنفيذية ومنظمات اجتماعية على غرار الاتحاد وأحزاب سياسية وتيارات وعائلات فكرية، ينسجم مع أطروحات يهيمن عليها اعتباره عدوا "طبقيا" واداة استعمارية امبريالية، ونجد طيف هذا التمثل في نظرة الى الصراع الروسي الأوكراني والى التنافس الصيني الأمريكي. اذ ينظر لكل ما حولنا على انه موضوع للسجال الفكري ومناسبة لابداء الراي دون البحث او التفكير بعقل بارد تقتضيه ممارسة السياسية وادارة الشان العام في كيفية التعامل مع الفرص المنتظر توفرها في ظل اعادة تشكيل جيوسياسيّة او كيفية الاستفادة من المتغيرات على كل الاصعدة وصياغة مشروع وطني يهيئ الدولة والمجتمع التونسي الى المستقبل

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115