"حزمة الشراكة" الشاملة: فرصة واعدة للاقتصاد التونسي فهل نستثمرها؟

هيمن ملف الهجرة غير النظامية وحجم المساعدات المالية على النقاش العام الذي رافق زيارة الوفد الأوروبي الى تونس يوم الأحد الفارط

فحجب نتيجة ذلك بعض أهم نقاط البيان المشترك الصادر عن الرئاسة التونسية والوفد الأوروبي.

نقاط تتجاوز حجم حزمة المساعدات المالية التي يعرضها الاتحاد على تونس او المطالب الأوروبية في ملف الحدود والرقابة على الهجرة غير النظامية، فرغم أهمية تلك النقاط إلا أنها وعلى المدى البعيد والمتوسط تصبح هامشية مقارنة بإقرار الاتحاد الأوروبي بان ما يجمعه مع تونس "أولويات إستراتيجية مشتركة". ستكون وفق البيان المشترك وفي فقرته الأخيرة مفصلة في مذكرة التفاهم التي تمت الإشارة إلى تكليف ممثل عن السلطات التونسية والمفوضية الأوروبية "بإعداد مذكرة تفاهم حول حزمة الشراكة الشاملة" والتي ينتظر ان يقع اعتمادها من قبل تونس والاتحاد قبل موفي شهر جوان الجاري. حزمة شراكة تشمل مجال الطاقة، الذي نص البيان على تعهد الجانب الأوروبي بمساهمة في تحقيق الانتقال الطاقي الأخضر في تونس وخفض التكاليف ووضع إطار ملائم للتبادل في مجال الطاقات المتجددة والاندماج في السوق الأوروبية المشتركة. وهو ما أشارت إليه أورسولا فون دير لاين لدى تطرقها إلى مشروع الربط الكهربائي بين تونس وايطاليا وأيضا حديثها عن ملتقى الاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة المنتظر ان ينعقد في الخريف المقبل.
ولا يقتصر العرض الأوروبي الذي يسوق باسم "حزمة الشراكة الشاملة" على التعاون في مجال الطاقة بل يشمل عنصرا هاما ثانيا عبرت عنه اورسولا ب"دعم القطاع الرقمي" والمتمثل في مشروع الكابل البحري"ميدوسا"، الذي يهدف بحلول عام 2025 إلى الربط بين 11 دولة على ضفتي المتوسط.
هذان المشروعان "ميدوسا" وكابل الربط بالكهربائي، كانا محل نقاش تونسي أوروبي فترة تقدر بين أشهر لأحدهما وسنوات للأخر، لا تكمن أهميتهما في الإعلان عنهما فحسب فقد كان الأمر سابقا للزيارة، ولكن في ما حف بالتذكير بهما من تفاصيل اعلن فيها الاتحاد الأوروبي عن تعزيز شراكته الإستراتيجية مع تونس وتحصين هذه الشراكة.
حرص يمنح تونس اليوم قدرة على المفاوضة بأريحية لتعزيز استفادتها من العرض الأوروبي الذي تتجاوز أهميته الدعم المالي لخزينة الدولة أو اتفاق الهجرة، فهو عرض يتضمن توطين "تقنيات" واستثمارات يمكنها اذا أحسن الجانب التونسي استيعابها من ان تغير من المنوال الاقتصادي التونسي بشكل جدري. ففي مجال الطاقة وحده، يمكن للمفاوضين من الجانب التونسي الدفع إلى جعل تونس قطبا إفريقيا في الطاقات المتجددة بتوطين المعرفة والتكنولوجيا والصناعة في تونس لتجنب ان تكون "منتجا" لطاقة رخيصة فقط لا تغنم فيها بالبلاد الكثير من المنافع والأرباح. فتوطين صناعات الألواح الشمسية ونقل تكنولوجيا صناعة هذه الألواح والمهارات المستوجبة في عملية التصنيع والصيانة والتشغيل ستمنح البلاد نصيبا من سوق يقدر حجمه اليوم بأكثر من 50.5 مليار دولار، اي أكثر من 150 مليار دينار تونسي سنة 2022. ويتوقع ان ينموا بشكل مطرد بنسبة 8.8 % ليبلغ في 2030 حجم 98.5 مليار دولار وفق تقرير "غلوبال سولار بانيلز إنداستري"، اي انه يمكن للبلاد ان تحقق مكاسب مضاعفة ان فرضت في مفاوضاتها مع الجانب الأوروبي مسألة نقل وتوطين جزء من هذه الصناعة إلى التراب التونسي. اي ان الرهان هنا لا يتعلق بالدعم الاوروبي الباحث عن تحصين تحالفه الاستراتيجي مع تونس عبر حزمة مالية هامة يمكنها ان تساعد على تجاوز الازمة الراهنة بل في قدرة الجانب التونسي على استيعاب هذا العرض والتدفقات المالية وتوظيفها لتحقيق نمو اقتصادي يعود بالنفع على التونسيين.
وشرط تحقيق ذلك يمكن في استيعاب الفاعلين السياسيين والمفاوضين للفرصة التي تتاح أمامهم لا فقط في ملف الطاقات المتجددة القادر على توفير طاقة رخيصة وفرص استثمار هامة بل على الاستفادة الكاملة والامثل من عرض الشراكة وما يشمله من امتيازات مالية واستثمارية واقتصادية

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115