المشهدية في الساحة السياسية: الدستوري الحر و خطاب التخوين والتحريض

تعاني الحياة السياسية في تونس من هيمنة "المشهدية/الفرجة" على جلّ تفاصيلها لتفرض "سردية عاطفية"

تغذى الاستقطاب الحاد في البلاد وتدفعه إلى أقصاه، وكنا في نهاية الأسبوع الفارط أمام تجسيد لهذه المشهدية في الواقع وفي الواقع الافتراضي.

ففي الوقفة الاحتجاجية التي نظمها الحزب الدستوري يوم السبت الفارط أمام مقر نقابة الصحفيين التونسيين قدم لنا نموذجا عن صناعة الفرجة والسرد في العملية السياسية، إذ طوال ساعتين كنا شارع الولايات المتحدة الأمريكية بالعاصمة تونس وصفحة عبير موسى في موقع التواصل الاجتماعي موطن الحدث السياسي.
ذلك ان الوقفة الاحتجاجية التي انتقلت من مقر نقابة الصحفيين إلى مقر الاتحاد العام التونسي للشغل كشفت عن أن الفعل السياسي في تونس اليوم محكوم بهاجس الفرجة وبقوالب نموذج السرد الذي يتيح لصاحبه أن يعيد تشكيل الواقع والأحداث ويفرضه كحقائق بديلة يعيد فيها تعريف نفسه وخصومه وتشكيل الساحة السياسية التونسية على قاعدة نحن وهم. وهذا ما كان عليه المشهد يوم السبت الفارط سواء في شارع الولايات المتحدة حيث يقع مقر نقابة الصحفيين ومقر الاتحاد أو على صفحات منصة "فايسبوك" عبر بث مباشر للوقفة او في وقت لاحق
. وفي الوقائع البديلة التي يراد لها أن تحل محل الحقائق والمعطيات، يتم تقديم خطاب سياسي شعبوي يقوم بالأساس على تقسيم التونسيين إلى فئتين، فئة ناجية وهي من تتبع خطاب الدستور الحر ورئيسته وفئة "خائنة" تتوسع قائمتها لتضم الجميع ومن بينهم اتحاد الشغل والإعلام اللذين كانوا هدفا لخطاب التحريض والتخوين.
هنا لا جديد في مضمون الخطاب الشعبوي للحزب الدستوري الحر ولا لتقنيات الاتصال المتبعة من قبل قادته والقائمة على تقنيات سردية تمزج بين "العقلانية" و"العاطفة" بهدف إعادة صياغة الواقع والأحداث لتتناغم مع الصورة التي يعمل الحزب على ترسيخها في المشهد. وهي الاستقطاب الثنائي، بين الدستوري والحر ورئيسته وبقية مكونات المشهد السياسي التونسي سلطة ومعارضة، ففي الخطاب تمحى التباينات والاختلافات السياسية ويعاد تشكيلها وفق تصورات الدستوري الحر التي تنتهي إلى اعتبار من هم خارج الحزب "أعداء" يطالهم خطاب تشهير وتقزيم واعتبار جل الفاعلين السياسيين "اغبياء" وسيعودون حجمهم الطبيعي الذي يحدده الدستوري الحر.
وفي هذا في استمرار للإستراتيجية التي انطلق فيها الدستوري الحر منذ 2019 وقامت على خطاب وسلوك سياسي يدفعان الى الاستقطاب الحاد راهن الحزب على انه سيمنحه زخما لتعبئة انصار وناخبين
اليوم وبعد تغير المشهد يراهن الحزب على هذه الاستراتيجية التي تقوم على عنصر اساسي وهو وجود "عدو". وكان العدو السابق حركة النهضة وتنظيم الإخوان المسلمين كما اعلن عن ذلك الحزب، لكن هذا العدو زال ولم يعد الخطاب المناهض له يحقق مكاسب سياسية، وهو ما جعل الحزب اليوم يبحث اليوم عن عدو جديد وفق تغيرات المزاج العام اليوم، وهو ما يفسر اتساع قائمة الاعداء لدى الدستوري الحر لتضم الجميع عدا انصاره. إستراتيجية ولئن نجحت في فترتها الاولى، اي في البرلمان، الا ان حظوظ نجاحها تتقلص. خاصة وان المزاج العام اليوم يجد ضالته في خطاب سياسي اخر. ولا يبدو ان رفع درجة الاستقطاب او حدة خطاب التقسيم والكراهية بين التونسيين سيمنح الدستوري افضلية في المشهد او يكسب له انصارا جددا .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115