إنكـــار الواقع ... إلى متى ؟ !

يبدو أن السلطة السياسية في بلادنا قد أضافت إلى ترسانة سياسة الهروب..إلى الخلف.. سياسة جديدة قوامها إنكار الواقع مهما كان صارخا .

إن عدم الإصغاء إلى زلزال 17 ديسمبر لا يمكن أن يفسر بحال خاصة عندما يكون قوام الإيدولوجيا الحاكمة شعار «الشعب يريد ، ويعرف ماذا يريد» فكيف بنا لا نصغي إلى رفضه الواسع وشبه الإجماعي لمسار سياسي اعتقد انه يتوج المرحلة الاستثنائية بإرساء برلمان لم يعره تسعة أعشار الناخبات والناخبين أي اهتمام.

إنكار الواقع وعدم الإصغاء إليه وعدم الاستجابة ولو الجزئية لما هو صريح فيه سوف يؤدي بنا إلى الإيغال في اللامعنى وإدخال البلاد في مسار عبثي قوامه برلمان فاقد لكل مشروعية انتخابية لم تتحصل الغالبية الساحقة من نوابه على عشر أصوات المسجلين في الدور الأول،بل فيهم من أضحى نائبا بـ%0.1 من أصوات المسجلين في دائرته الانتخابية !!

نحن لسنا فقط أمام إنكار الواقع الانتخابي الجديد بل أمام إنكار كلي للواقع المادي الصلب للبلاد المالي والاقتصادي والاجتماعي باعتباره نتيجة مؤامرة فقط ليس إلاّ والحال أن جل المنظومات الإنتاجية تتهاوى أمام أعيننا الواحدة تلو الأخرى أمام بهتة حكومية ناجمة عن عدم قدرة كلية على تسيير البلاد واتخاذ القرارات الضرورية للحد من تداعيات الأزمات المتفاقمة التي تهدد البلاد ..

نحن بصدد تجربة جديدة (بعد تجربة الترويكا غير المأسوف عليها ) تبين مدى الخطر الداهم لسيطرة الايدولوجيا على الحكام وغياب العقلانية في تسيير دواليب الدولة.
قلنا في مرار عديد أن العقلانية تعني بالنسبة لسياسة الدولة تناسب الطاقة المبذولة مع النتائج المرجوة وحشد جل طاقات البلاد في سبيل النهوض الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي..

عوضا عن كل هذا اختارت السلطة السياسية الانتصار لإيديولوجيا شخصية قوامها البناء القاعدي سياسيا والصلح الجزائي ماليا والشركات الأهلية اقتصاديا واجتماعيا وتركت الغالبية الساحقة من حياة الناس ومن منظوماتنا الاقتصادية خارج مجال نظرها واهتمامها.
لاشك أن إنكار الواقع ممكن دوما لبعض الوقت ولكنه لا يستطيع الصمود مهما برّر له المبررون المتحذلقون الساعون الى اغتنام مناصب زائلة في دولة تائهة ، لكن كلفة هذا الإنكار ثقيلة للغاية وسندفع جميعا ثمن هذا الإصرار على الخطإ.
يبدو أننا لم ندرك إلى حد الآن أن المجتمعات المتناحرة لا يمكنها التقدم مطلقا وأن القبول بحق الآخر في الوجود والنشاط والتعبير ليس فقط ضمانا للديمقراطية ولكن كذلك للتنمية والنمو وأن العقل – في أبسط تعريفاته – هو نبراس التقدم وأن العقلانية ينبغي أن تسوس البلاد والعباد.
في انتظار دروس التدارك هذه بلادنا تهوي.. تهوي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115