خطر يتهدد المسار: حتى لا تتحول حكومة الوحدة الوطنية إلى محاصصة حزبية جديدة

لم يمر بعد أسبوع واحد على المبادرة السياسية الجديدة التي أطلقها رئيس الجمهورية يوم الخميس الفارط حتى بدأت أطراف عدة داخل الرباعي الحاكم الحالي تسعى لإفراغها من مضمونها ولتحويلها إلى ما يشبه حكومة الحبيب الصيد مع تغيير في المواقع والأشخاص ليس إلا...

قد يظن بعضهم أن الخطر الأساسي الذي يتهدد المبادرة الرئاسية يتمثل في الاهتمام بالأشخاص دون البرنامج والأفكار والحقيقة أخطر وأعظم من ذلك بكثير...
لنترك الآن مسألة برنامج الحكومة المرتقبة – على أهميته القصوى – لأن الإشكال الحقيقي هو في الأشخاص أو بالأحرى في الطريقة التي سيتم بها اختيار الطاقم الوزاري الجديد..
لا بد أن نتعظ من الخطإ الأساسي في تشكيل كل الحكومات الحزبية ما بعد الثورة (حكومات حمادي الجبالي وعلي العريض والحبيب الصيد) فكل هذه الحكومات قامت بطريقة أو بأخرى على نتائج انتخابات شفافة ونزيهة.. وكل هذه الحكومات تم إسقاطها قبل ميعادها رغم إحرازها على قاعدة نيابية عريضة.. وأحد أهم أسباب الفشل هو اعتمادها في كل مرة على تحالف حاكم يقسم بين قياداته المناصب التي تعود إليه وفق محاصصة محددة سلفا... فيصبح عندنا ما يشبه الحكومات لا الحكومة الواحدة، وهذا ما لمسناه بكل وضوح في حكومتي الحبيب الصيد الأولى والثانية... فلا تضامن حكومي ولا فريق موحد ولا قيادة ناجزة...

فالحبيب الصيد لم يختر جل وزراء حكومته وخطأه السياسي الأصلي أنه قبل بهذا بل واضطر للقبول فيما بعد بمن رفضه بوضوح في تشكيلته الأولى وهذا ما أجبره منذ البداية بأن يكون منسقا للعمل الحكومي لا رئيس حكومة وفق ما يقتضيه الدستور...
ويبدو أننا بصدد تكرار نفس الخطإ.. حكومة محاصصة حزبية تتقاسم فيها الأحزاب الحاكمة المناصب وفق تفاهماتها الخاصة ويُعيّن كل حزب «وزراءه» فيها ثم يُتفق على شخصية حزبية أو مستقلة لتسيير كل هذا !! هنا سنكون أمام الإخفاق مجددا فما جرّب وفشل لا يمكن له النجاح أبدا.. أو على الأقل في هذه المرحلة بالذات...

اليوم بات واضحا بأن حكومة الوحدة الوطنية في صيغتها المعلنة قد أضحت وراء أظهرنا فلا اتحاد الشغل ولا اتحاد الصناعة والتجارة قابلان بالمشاركة المباشرة فيها ولا كذلك الأطياف الأساسية للمعارضة رغم استعداد الجميع للمشاركة في الحوار حول البرامج والاختيارات.. فلم يبق إذن أمامنا سوى حكومة الأغلبية الحالية مع بعض التطعيم بشخصيات مستقلة أو بشخصيات حزبية من أفق أخرى.. ولكن الحقيقة السياسية هي أنها حكومة الائتلاف الحالي جوهريا...

والسؤال الجدي هو هل بإمكان التحالف الرباعي الاتفاق على حكومة سياسية ائتلافية لا يكون فيها مكان للمحاصصة الحزبية ويستأثر فيها رئيس الحكومة باختيار كافة أعضائها باستثناء ما ينبغي فيه التشاور مع رئيس الجمهورية كما ينص على ذلك الدستور؟
نظريا لا شيء يمنع هذا الاحتمال، ولكن هذا يستدعي منهم جميعا تغيير آليات تفكيرهم والتوافق على أمرين فقط: رئيس الحكومة أو لا ثم برنامج مشترك ثانيا يساهم فيه بصفة فعالة رئيس الحكومة الجديد ويحظى بموافقة الرباعي الحاكم وبرضا أو تفهم الطرفين الاجتماعيين الرئيسيين ثم يترك لقائد الفريق الحرية الكاملة في اختيار وزرائه دون تأثيرات «ودية» من أحد...

تونس تحتاج اليوم إلى رئيس حكومة قوي تماما كما كان المهدي جمعة أيام حكومة التكنوقراط.. أي إلى رئيس فعلي ووحيد لحكومته لا يقضي وقته في «تنسيقيات» الأحزاب الحاكمة ويتفاوض مع هذا وينصت لذاك حول تعيينات الولاّة أو المعتمدين أو الرؤساء المديرين العامين...

تونس تحتاج إلى رئيس حكومة تطلق ...

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115