بعد غلق باب الترشح للانتخابات التشريعية: ملامح مجلس النواب تتضح

أنظمة الحكم لا تتشكل بما يضبطه النص الدستوري فقط، بل هي تتشكل من طبقات عدة. نصوص دستورية وقانونية وممارسات وسلوك سياسي

سينتهى الى رسم نظام حكم يتخذ لاحقا تسميات عدة او صفات.

ونظام الحكم في تونس، الذي ضبطه الدستور الجديد، يخضع لهذه المعادلة، فالنص الدستوري ليس هو فقط من يحدّد بينة النظام وتوزيع مراكز القوى صلبه، بل إن ما يصمت عنه النص ويرحله عمدا او سهوا الى مستويات اخرى لتشكيل نظام الحكم الجديد.
مستويات تتضمن ما هو معلن يشكل منظومة الحكم في تونس يقبع على رأسها السلطة التنفيذية والتي تتكون من اجهزة عدة تخضع لرئاسة الجمهورية الواقعة على قمة هرم الحكم والسلطة مقابل اضلع هشة تتولى مهمة رسم مثلث الحكم.وهي الوظيفة القضائية والوظيفة التشريعية.
فما لم يخفه النص الدستوري وتحدث عنه صراحة هو مقاربته لتوزيع السلطة والتفريق بينها، اذ انه يسقط كليا مقولات تفريق السلطة لـ منتسكيو وكل الاساس التي قامت عليها لصالح مقاربة البناء الجديد التي تقتصر فيها كلمة «السلطة» على الجهاز التنفيذي أي السلطة التنفيذية فيما تتولى باقي الاجهزة القضائية والتشريعية مهمة «الوظيفة» لتكون بذالك وفق البناء الدستوري لمنظومة الحكم مجرد وظائف يشغلها «منتخبون» او معينون يشترك لكل منهم في محدودية ادواره التي رسمها النص الدستوري وما غفل عنه من ادوار وصلاحيات رسمته بقية النصوص القانونية التي تخضع بمجملها لجهة تأويل وحيدة وهي السلطة التنفيذية/ مقابل تعدد جهات تمثل هذا البناء الدستوري والسياسي.

معضلة تأويل النص وتمثله في علاقة بنظام الحكم ، كانت حاضرة بقوة في النقاشات والجدل الذي تعلق بالدستور قبل المصادقة عليه وبعدها مباشرة. وهو ما ولّد سؤالا جوهريا مضمونه هل سنتجه بشكل كامل الى تركيز سلطة مركزية ومطلقة بيد رئيس الدولة دون ضمانات وجود سلطة مقابلة؟ يومها والى غاية الآن اختلفت الاجابات باختلاف موقع من يقدمها، وهنا لسنا في حاجة الى اجابات المعارضين للرئيس فهي ثابتة لم تتغير وهو رفض كل المسار وما ينتج عنه.

لكن من ينتصرون للرئيس يعتبرون ان هذا النقاش محاولة لإرباك الشارع وإثارة الجزع والخوف من مسائل لن تحدث، وهي ان ينحرف الرئيس بالسلطة او ان يستبد مع تطعيم هذا النوع من الاجابات بمقارنات بين منظومة الحكم السابقة التي لم تكن ناجعة ومنظومة الحكم الحالية التي يشددون على انها ستكون الانسب والأنجع لتونس والتونسيين حال تنزيلها، واليوم نحن في بداية هذه المرحلة، اذ بعد اقل من 7 اسابيع ستنتظم الانتخابات التشريعية وفق هذا البناء الدستوري الجديد للحكم والسلطة.

وهذا البناء الدستوري نزع عن المجلس التشريعي «السلطة» وجعل منه وظيفية محددة الصلاحيات والامكانيات، وهي باختزال المصادقة على الاتفاقيات والقوانين واقتراح مشاريع تنموية في الجهات، ومن سيتولى هذه المهمة هم «افراد» لا يجمع بينهم رابط او جسم سياسي، هم فقط افراد مشتتون يمثل كل واحد منهم نفسه وجهته، وهذا ما يشكله القانون الانتخابي الذي نظم الاستحقاق وحدد شروطه واطره التي وضعت حواجز جمة للحيلولة دون وجود جسم سياسي صلب المجلس قد يستغل بعض هوامش الحركة التي تركها البناء الدستوري معتمة ولم يحسم فيها.

اليوم ومع غلق آجال الترشح للانتخابات التشريعية ننتقل من تصور الرئيس لمنظومة الحكم التي تضمنها الدستور والقانون الانتخابي بل والقرارات الصادرة عن هيئة الانتخابات، الى تمثلها لدى المرشحين الابرز في مشهد انتخابي مفتت ينحصر فيه التنافس بين انصار الرئيس بشكل اساسي بعد ان وضعت مطبات عدة اولها القانون الانتخابي الذي يحول دون المنافسة الحزبية الكلاسيكية في انتخابات تشريعية.

غياب هذه المنافسة يصب بشكل مباشر لصالح السلطة التنفيذية التي تواجه اليوم استحقاقا انتخابيا افرغ من مضامينه سواء بالنص او بالممارسة والسلوك اللذين افرغا ايضا الفضاء العام من النقاشات الجوهرية بشان خيارات وتوجهات سياسية لفائدة افراد اغرقهم النص والسلوك في المحلي الموغل.
هنا إذا نظرنا للنص المشكل لملامح الوظيفة التشريعة والى المتنافسين على الفوز بمقعد في المجلس في الموعد الانتخابي المزمع في 17 ديسمبر القادم، سنكون امام مجلس ضعيف بشكل غير مسبوق، فلا صلاحيات كبرى له بحكم النص الدستوري ولا جسم ولا كيان سياسي صلبه يمكنه المناورة ضمن نظام حكم رئاسي مفرط. بل وإذا وقعت المعجزة وتشكل هذا الجسم فإن يد السلطة التنفيذية وعبر آلية سحب الوكالة قادرة على تفكيكه سريعا بالاعتماد على مطلب الترشح الذي يمثل حبلا ملفوفا حول رقاب الفائزين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115