الحكومة والاتحاد وصندوق النقد الدولي: انطلاق جولة جديدة من «المواجهة»

حمل البيان الصادر عن الاتحاد العام التونسي للشغل بشأن اللقاء الذي جمع عدد من قادته بوفد من صندوق النقد الدولي الكثير من الكلمات المفتاحية التي اراد

من خلالها الاتحاد ان يعلن عن موقفه ولو بشقين، شق صريح ومباشر وأخر يختفى بين الكلمات.

ففي اللقاء الذي نشرت صور عنه والذي انعقد يوم الثلاثاء الفارط اعلن انه والذي خصص للحديث عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس وبرنامج الإصلاحات والدور المحوري للاتحاد وفق نص البلاغ الذي تضمن البعض مما صدر عن الاتحاد في اللقاء.
وما قاله الاتحاد لوفد صندوق النقد الدولي هو ان المخرج من الازمة الاقتصادية في تونس هو حوار جدي ومسؤول بهدف صياغة «برنامج تونسي-تونسي للإصلاحات القابلة للتطبيق» وفق البلاغ الذي تضمن اشارة الى ان قادة الاتحاد شددوا على اهمية ان تتم المحافظة على القدرة الشرائية للعمال واحترام مصداقية التفاوض والقيام بإصلاحات شجاعة وخطوات عملية من بينها العودة إلى طاولة الحوار وان تتسلح الحكومة مثل المنظمة بالشفافية والصراحة إذا تعلق الامر ببرنامج اصلاحاتها الكبرى.

ها ما حلمه البلاغ الذي لم يشر الى ما صدر عن وفد صندوق النقد الدولي ولا أي معطيات قدمها للاتحاد وان كانت شروطهم السابقة للوصول الى اتفاق ممدد مع الحكومة قائمة، وهو امر يبدو طبيعيا باعتبار ان وفد الصندوق الذي حل ركبه في تونس هو في طور عقد جلسات استماع مع مختلف الاطراف.
جلسات يرغب من خلالها الوفد في ان يكون صورة اولية عن المشهد في البلاد ومدى قدرة السلطة التنفيذية وتحديدا رئاسة الحكومة على الالتزام بمخطط اصلاحاتها الذي قدمته للصندوق وكان من بين محركات انطلاق الجولة التفاوضية منذ الاسبوع الفارط.

وهنا إذا تعلق الامر برصد المواقف يبدو ان البيان حمل في طياته الكثير من الكلمات التي تشرح موقف الاتحاد وما يبدو انه ابلغه لصندوق النقد الدولي بشكل مباشر او مبطن، فالاتحاد وهو يعلن ان الخروج من الازمة يستوجب «برنامجا تونسيا-تونسيا» هو يعلن بشكل مباشر عن عدم رضاه على مخطط الاصلاحات الذي قدمته الحكومة باعتباره لم ينتج عن حوار شامل بل اقتصر على تنزيل مطالب الصندوق خاصة ان تعلق الامر بالتحكم في كتلة الاجور والدعم والمؤسسات العومية.

ما يقدمه الاتحاد على انه «صياغة» برنامج تونسي تونسي هو اعلان بانه يعتبر أن البرنامج المقدم من طرف الحكومة هو مختلف عنه ولهذا فانه سيشهد تعثرات عدة اما لعدم توافق البرنامج مع اولويات البلاد او لعدم انخراط القوى المجتمعية فيه مما يعنى انه «سيفشل».

وفشل مخطط الاصلاحات وعدم قدرة الحكومة على تحقيقه هو ما اراد الاتحاد ان يبرزه بشكل لافت في اللقاء، فالاتحاد يتحدث ايضا عن ان أي اصلاحات تمس من القدرة الشرائية للتونسيين ستكون عواقبها وخيمة، وهنا يترك الاتحاد هامشا لقراءة المراد من هذا التلميح وهو ان خطة الحكومة في تجميد الاجور وعدم الدخول في مفاوضات اجتماعية سيكون اثرها المباشر ضرب المقدرة الشرائية وهذا بدوره سيؤدي الى ازمة اجتماعية لن يقف الاتحاد فيها موقف المحايد او الداعم للسلطة بل سيكون في صفوفها الاولى.

«الازمة» هي الخطر الذي يحذر منه الاتحاد ويحرص على ان تستشعره الحكومة ومن خلفها صندوق النقد الدولي ان تعلق الامر بمدى قدرة الحكومة على تحقيق التزاماتها مع الصندوق ان كانت ستواجه غضبين، غضب النقابيين بسبب التجاهل وغلق ابوب الحوار وغضب الشراع بسبب انهيار المقدرة الشرائية ان وقع تنزيل الاصلاحات في ظل مناخات تهيمن عليها الازمات داخليا او دوليا.

تحذير يرد منه الاتحاد القول انه لازال يوفر فرصة فعلية للحكومة للوصول الى حل ينقذ البلاد وينقذها وهو ان تتقدم الى الحوار ولكن هذه المرة بشروط وهي ان تعلن عن مخططها الاصلاحي برمته دون اخفاء أي تفاصيل منه وان تكشف عن حقيقة الوضع المالي للدولة التونسية. شرطان يدرك الاتحاد ان تحقيقهما سيضع الحكومة في موقف صعب ومن خلفها رئاسة الجمهورية التي تنشغل بالزمن السياسي اليوم وبالاستفتاء.

وضع معقد ومشهد متداخل اختلطت فيه اوراق اللاعبيين، اذ ان الاتحاد يلجأ الى التحذير والتلويح بالتصعيد ليعلن ان الاستمرار في نهجه «التجاهل» وانكار قدرة الاتحاد على التصدي لسياسات اقتصادية واجتماعية غير شعبية ستكون ضعيفة هو خطأ «استراتيجي» وقعت فيه الحكومة وسيقع فيه صندوق النقد الدولي والذي عليه ان يدرك حقيقة الوضع في تونس.

وضع وجد فيه الاتحاد نفسه في مواجهة حكومة وسلطة تنفيذية تتجاهله وتقلل من قدرته على الفعل والتاثير وهذا سيوقع البلاد في ازمة فعلية ان لم يقع التدارك. والطريف هنا ان امكانية التدارك لن تتحقق الا ان اقنع صندوق النقد الدولي الحكومة بان تراجع سياستها تجاه الاتحاد وان تعدل من حساباتها القائمة على انها قادرة على تنزيل اصلاحات صعبة دون توافق وطني.

وضع بات فيه صندوق النقد الدولي وسيطا غير مباشر بين فاعليين تونسيين في ظل مناخ سياسي هيمنت عليه الحسابات الخاطئة والقراءات المجتزئة للواقع.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115