حل البرلمان يعيد خلط الأوراق: الرئيس حاصر نفسه وألف بين داعميه وخصومه

بإعلانه مساء الاربعاء الفارط عن حلّه للبرلمان دفع الرئيس قيس سعيد بالمبادرة السياسية الى الرمال المتحركة، واجبر الجميع على ان يبحثوا اليوم لأنفسهم

عن تموقع وفق التطورات الاخيرة التي ذهبت الى اشواط ابعد مما قطعت في 25 جويلية 2021.
في كلمته امام مجلس الامن القومي اعلن الرئيس عن أمرين الاول كان صريحا ومباشرا وهو حل البرلمان على معنى الفصل 72 من الدستور التونسي والثاني وقد اعلنه بشكل غير مباشر وهو تثبيته لمواعيد الاستحقاقات الانتخابية في تواريخها المحددة سلفا. 25 جويلية 2022 استفتاء و17 ديسمبر 2022 انتخابات تشريعية.

اجتماع نزّل قراراه الاول على ارض الواقع بنشره في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية الامر الرئاسي القاضي بحل مجلس نواب الشعب ومعه انتقلت الازمة السياسية الى مربع الفرز من جديد، وهي الكلمة التي يحبذها الرئيس ويفسر بها طول الفترة الزمنية بين خطواته.
فرز لم تتغير نتائجه فمن رفض القرار واعتبر الرئيس قد تجاوز الدستور ظل محافظا على الرفض واعتبر ان ما يحدث خرق للدستور لا يمكن السماح به، ومن دعم الرئيس وخياراته السياسية منذ 22 سبتمبر الفارط تاريخ اصداره للامر الرئاسي عدد 117 ظل كما هو محافظا على خياره رغم ان قرار الحل دفع البلاد الى حقل الرمال المتحركة.

هذه الارض المتحركة المحدد فيها سواء أتعلق الامر بالخصوم او الداعمين او المحايدين، هو موعد الاستحقاق الانتخابي بالاساس، اي هل ستتم مراجعة تاريخ 17 ديسمبر كموعد لاجراء الانتخابات التشريعية المبكرة ام ستقع مراجعة الموعد وضرب موعد جديد.
هذا هو الذي يحدد التموقعات اليوم، اما المواقف من قرار حل البرلمان والتي ذهبت الى النقاش الدستور ومدى سلامة قرار الرئيس بحل البرلمان فهي اعلان نوايا ورفع لسقف المطالب بهدف تهيئة مناخ البحث عن «مخرج» هو في النهاية انتخابات تشريعية سابقة لاوانها لكن ليس وفق مخطط الرئيس بل وفق توافق جماعي.

فرئيس الدولة وهو يعلن عن قراراه بحل البرلمان اختار ان يستند إلى الدستور وفصله الـ72 وهنا لم يرسم حدودا لتحركاته في اطار الدستور، فقد وقف عند الحل دون الذهاب الى ما يقتضيه الدستور من اجراء انتخابات مبكرة، بما يترك هامشا للمناورة وهذا ما سيؤثر على قرارات الكيانات السياسية سواء من الداعمين له او معارضيه واشد خصومه.

داعمون من بينهم الدستوري الحر الذي جاء موقفه كخليط بين «الدعم» لحل البرلمان ومطالبة بإجراء انتخابات مبكرة قبل نهاية الاجال الدستورية وهي 3 أشهر وذلك ذات الموقف الذي عبرت عنه احزاب اخرى من الرافضيين لقرار الحل ولو بشكل غير صريح و مبطن، فمن يرفض حل البرلمان ويعتبره غير دستوري يدرك ان الرئيس ومنذ 25 جويلية حسم امر البرلمان ولكن لاعتبارات دستورية تخلى عن حله. والاعتبارات هنا لا تتعلق بتأويل الفصل 80 او اي فصل اخر بل تتعلق بالآجال التي وضعها الدستور لإجراء الانتخابات المبكرة وهي 90 يوما. والتي تظل قائمة غير ملغاة لعدم تضمن الامر عدد117 لما ينص على الغاء العمل بالفصل 92 من الدستور.

اما اليوم وأمام سياسة الامر الواقع تجد هذه الاحزاب هامشا للحركة بهدف فرض اجال 90 يوما لإجراء الانتخابات التشريعية المبكرة، وهذا ما تكشفه بياناتها المعبرة عن مواقفهم من خطوة الحل، فجل البيانات الرافضة تشترك في نقطة تبرز احيانا بشكل صريح واحيانا تتوارى بين العبارات ومطلب الحوار الوطني هي عقد انتخابات مبكرة وفق توافق سياسي جديد اي التخلي عن المسار الذي رسمه الرئيس وأعلنه في 13 ديسمبر2021.

هنا تتضح الصورة وتبرز نوازع كل الاطراف المعارضة وهامش تحركها والغاية التي يراد الوصول اليه، هي في اقصاها دفع قصر قرطاج الى تعديل موعد الانتخابات التشريعية المبكرة لتكون في اجال دستورية والقصد ان تكون الانتخابات على غير الارضية السياسية والدستورية التي يتجه الرئيس لوضعها.
بعبارات ادق معارضو قرار حل البرلمان يدركون ان اقصى ما قد يحقق لهم من مكسب هو تسليط ضغط مرتفع على الرئيس ليعدل من خارطة طريقه السياسية بما يسمح بان تتقدم الانتخابات التشريعية على اقرار الدستور الجديد، وهنا تتضح استراتيجية كل طرف.

ليس فقط الخصوم بل الداعمين. الذين يدركون اليوم ان الرئيس بقراراه حل البرلمان وان كانوا يساندونه فيه ويدافعون عنه فهم يعتبرونه قد اعاد خلط الاوراق والمشهد السياسي ووضعه في نقطة مفصلية، ان تقدم خطوة دون توافق واسع بالأساس مع الشركاء الاجتماعيين وداعمي خطوة 25 جويلية للوصول الى توافقات واسعة يوفر غطاء سياسيا وشعبيا لخطوات الرئيس القادمة سيكون كمن يطلق النار على قدمه اي انهم وان لم يتطرقوا بشكل صريح ومباشر في بياناتهم ومواقفهم الرسمية الى ان حل البرلمان يستوجب تحديد موعد الانتخابات التشريعية المبكرة، فهم يدعون الى ان ينطلق حوار وطني واسع لتحديد مسار الانتقال من الوضع الاستثنائي الى الوضع الطبيعي، اي يطالبون بمراجعة مسار 13 ديسمبر. بما يسمح بان تحصن خطوة حل البرلمان بتوافق سياسي واسع يمنح الرئيس هوامش حركة في الداخل والخارج.

مطالبة تعنى ان الداعمين كما الخصوم يبحثون اليوم عن اعادة تشكيل المشهد السياسي وفق قراءات تلتقى في ان استمرار الرئيس في سياساته كما هو الحال عليه لم يعد ممكنا خاصة وان حل البرلمان دون الذهاب الى انتخابات مبكرة يقع التوافق على موعدها والقانون المنظم لها ومختلف تفاصيلها بين مختلف الفاعلين والقوى السياسية سيضع الجميع امام فرضيات لا نهاية سعيدة فيها.

فرضيات تجعل البلاد كمن يقف على ارض الرمال الحمراء، اي خطوة خاطئة قد تبتلعه مما يعنى اليوم ان كل حركة يجب ان تهدف الى الخروج من الازمة وليس تعميقها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115