خطر التأقلم مع الرداءة ....

قبـول الهيئــــة الدستورية لمراقبة دستورية القوانين للطعن شكلا وأصلا في مشروع القانون عدد 9 لسنة 2016 المتعلّق بالبنوك والمؤسّسات البنكية الذي سبق لمجلس نواب الشعب أن صادق عليه في 12 ماي 2016، ليس

هو أوّل قبول لطعن في مشروع قانون. فقد حصل سابقا قبول الطعن في عدّة مشاريع قانونية أخرى وكان كل ذلك في مدّة قصيرة.

هذا الإقرار بالاخلالات القانونية يُبرز أهمية مراقبة دستورية القوانين في دولة القانون التي نصبو إليها. ولكن يعطي في نفس الوقت فكرة عن نقص الحرفية في تشريع القوانين وعن نتائج التسرّع في صياغة المشاريع وعن مخاطر الصياغات التوافقية للقوانين.

فالمراقبة المسبقة لدستورية القوانين كان مطلبا ملحّا لمختلف الأجيال المتطلّعة لعلوية الدستور وجعله بالفعل في هرم التشريع، بالرغم من أنه يضع المبادئ العامّة ولا يفصّلها.

و لكن سبق التأكيد في أكثر من مناسبة أن الخيارات التوافقية الّتي رافقت مناقشة بنود الدستور جعلته يشكو من بعض النواقص وتسقط بعض نصوصه في التعميم الفضفاض، لذلك سبق التنبيه إلى خطورة التوافق على غير شؤون السياسة العامة وممارسة السلطة، بإعتبار أن النصوص القانونية تحتاج إلى الدقّة والوضوح وتجنب التأويل والقراءات المتعدّدة.
وعندما نتحدّث عن نقص الحرفية، في تشريع القوانين، لا نعني أن يكون كل أعضاء مجلس نواب الشعب مجازين في القانون وحائزين على شهائد عليا، وهو أمر لا يمكن المطالبة به باعتبار أن النواب يمثلون مختلف فئات الشعب، ولكن المطلوب أن يكون الاحتكام إلى أهل الخبرة في الصياغة ليس اعتباطيا وغير مرتبط بإملاءات و غير محكوم بآجال ضيّقة، بل يجب الاعتماد على خبرات تتفرّغ فعلا لمدّة كافية للصياغة حتى تكون قادرة على ترجمة ونقل خيارات وإختيارات نواب الشعب طبق ما تقتضيه فنيات الصياغة وما تتطلّبه الإجراءات.

وبما أن رسم الخيارات والمبادئ يكون صلب لجان برلمانية متخصّصة، فإنه يُفترض أن يترأس هذه الّلجان مختصّون في مجال تلك اللّجان أو على الأقل عارفون بأبجديات المواضيع التي يقع إعداد خيارات بشأنها، وهنا لا نريد التقليل من شأن أي نائب، ولكن يجب التذكير دائما بضرورة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، حتى تكون الكفاءة مقاسا للمسؤولية. وهو أمر لا نشهده على مستوى المسؤوليات السياسية والإدارية وحتّى الحزبية، وهو ما يشكّل عائقا كبيرا لتطور مؤسّسات الدولة ومناهج التفكير السياسي.

والمؤسف، أن مجلس نواب الشعب، وقبله المجلس التأسيسي، لم يتوخيا المناهج العلمية الصحيحة في الميدان التشريعي، وخضعا إلى ضغط الزمن وإلى أهواء السياسيين وللحسابات الضيّقة في جانب هام ممّا تمّ تشريعه، وهو ما تطلّب في أكثر من مناسبة التعديل أو اللّجوء إلى باب التأويل و التوسّع فيه إلى درجة أن بعض القوانين تطبّق طبق الأهواء.
لذلك أصبحنا نسمع أحيانا عند انتقاد بعض التطبيقات والاجتهادات، بأنّنا أمام قوانين مصادق عليها وسارية وما على الجميع إلاّ الإذعان إليها دون نقاش ، كما هو الحال في قانون العدالة الإنتقالية وتحكيم هيئة الحقيقة والكرامة مثلا.

والخطر أن يتواصل التهاون والتسرّع و«التأقلم مع الرداءة»، والإستخفاف بالتشريع، فتتحوّل هيئة مراقبة دستورية القوانين ومن بعدها المحكمة الدستورية مثلها مثل المحاكم العادية كثيرة الإنتصاب و ملجأ عاديا للتظلم ، و بذلك تضيع الغاية من مراقبة دستورية القوانين، ويقع اللّجوء إلى ترك الخلافات القانونية كي تحسم فيها المحكمة الدستورية، وهو ما سيعطّل السير العادي لتشريع القوانين، ويتحوّل عامل الإستقرار الّذي ننشده ، إلى مصدر تعطيل وانتظار.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115