مقاربة سياسية - قانونية لتخطي المرحلة الاستثنائية

بعد أن أرسى الأمر الرئاسي عدد 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 تنظيما استثنائيا لتنظيم السلط إثر الإعلان عن تعليق كل اختصاصات مجلس نواب الشعب لمدة شهر ابتداء من 25 جويلية 2021

ثم التمديد في المدة المذكورة إلى أجل غير مُسمى ،بمقتضى أمر رئاسي وفق ما ينص عليه الفصل 80 من الدستور ،و بعد تشكل الحكومة برئاسة السيد نجلاء بودن ، تتجه الانظار نحو منحى التدابير الجديدة لبيان طرق تخطي المرحلة الاستثنائية و تحديد آجالها.
الأكيد أن إعادة السير العادي لدواليب الدولة ، لا يتوقف على تعيين رئيسة حكومة وتشكيل حكومة جديدة و مواصلة رئيس الدولة التشريع بالأوامر الرئاسية لزمن غير محدد في نطاق نظام يلغى السلطة التشريعية وما ينجم عن ذلك من تبعات مركزة السلطة والتفرد بها .
و التسليم بأنه لا سبيل للرجوع إلى الوراء و بما يقتضيه الأمر الواقع ، و بالمضي قدما فيما عُد تصحيحا للمسار ، لا بد من فتح باب المقترحات و إثارة النقاش حول سبل إيقاف حالة التردي الاقتصادي باتخاذ التدابير العاجلة لإنقاذ البلاد ، و النظر في كيفية تخطي الحالة الاستثنائية لتأمين إعادة سير كل مؤسسات الدولة بصورة متوازنة و عادية في ظل الفصل بين السلطات و تفعيل أدوارها و في كنف احترام الحقوق والحريات في تفاعل إيجابي مع المجتمع الدولي ومقتضيات التعاون والمعاملات الدولية مع احترام السيادة الوطنية.

طرق التخطي هذه ليست من منطلقات قانونية بحتة ، بل هي مستمدّة من خطة سياسية مراوحة بين روح الدستور في إطار الانسجام مع التأويل الّذي اعتمده سعيد للفصل 80 من الدستور وبقية النصوص الّتي لا تتعارض مع مقتضيات الفصل المذكور من جهة و بين التصورات السياسية الّتي يفرزها الحوار المثري والجاد الّذي يجب إرساؤه من جهة ثانية .
وبما أن أسباب الخطر «الجاثم « حسب سعيد تكمن في مجلس نواب الشعب و المنظومة التي كانت تسير بهدي من الأغلبية المتحكمة فيه ، مما حال دون احترام إرادة الشعب حسب رأي رئيس الجمهورية ، فإن المعضلة الّتي يجب حلها ، تكمن في تفكيك شفرة إرادة الشعب، الّتى لن تتجلى إلاّ بعد الرجوع إليه وسماع صوته.
و تجدر الإشارة في هذا المضمار إلى أنه طبقا للفصل 50 من الدستور فإن الشعب يمارس السلطة التشريعية عبر مجلس النواب أو عن طريق الاستفتاء .هذا النص لا يتعارض في مفهومه العام مع التدابير الاستثنائية ، لذلك أمام استبعاد اختصاصات مجلس النواب طبق الأمر عدد 80 من سنة 2021 الصادر في 29 جويلية 2021 ، يمكن للشعب أن يمارس سلطته التشريعية عن طريق الاستفتاء .
هذه الوسيلة ينظمها القانون الأساسي عدد عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء و ذلك في الفصلين 113 و 115 . فالفصل 113 ينص على أنه « تتم دعوة الناخبين إلى الاستفتاء بأمر رئاسي يلحق به مشروع النص الذي سيعرض على الاستفتاء. وينشر هذا الأمر وملحقه بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية».
و ينص الفصل 115 على أن « تتم صياغة نص السؤال المعروض على الاستفتاء على النحو التالي: «هل توافق على مقترح تعديل الدستور أو مشروع القانون المعروض عليك؟» ولا تكون الإجابة عليه إلا بـالموافقة أو بالرفض».
هذا يعني أنه يمكن الاستناد إلى القانون الإنتخابي المطبق قبل تعديله لإستعمال آلية الاستفتاء حول مشروع مقترح تعديل الدستور أو مشروع قانون ، و هو ما يوفر إمكانية تضمين محتويين للاستفتاء ، فإمّا عرض مشروع تعديل الدستور في صياغة تشمل كل ما يتعلّق بالقانون الانتخابي و السلطتين التشريعية و التنفيذية، و إما ،عرض مشروع مزدوج لتعديل الدستور و آخر لوضع مشروع قانون جديد ، كل هذا فضلا عما يتيحه الدستور من تدابير

تحتمها الحالة الاستثنائية طبق الفصل 80 من الدستور حسب ما جاء في المطة الثامنة من الفصل 77 من الدستور.
ومن المسائل التي يجب أن تطرح للاستفتاء ، حل مجلس نواب الشعب، و هو أمر لم يحسمه رئيس الجمهورية ضمن التدابير الّتي اتخذها، ربّما لعدم توفر الالية الدستورية ، و هذه مسألة يجب حلها ليتمكن سعيد من الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها ، تزول بها أسباب العمل بالتدابير الاستثنائية و تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة. كذلك النظام الإنتخابي والتنظيم السياسي و الديمقراطي و بقية الشؤون العامة الّتي بينت الممارسة في العشرية الماضية فشلها في تغيير أوضاع تونس نحو الأفضل . كل هذا يقتضي إرساء حوار عميق مع مكونات المجتمع المدني والسياسي و الحقوقي ،عبر آليات ناجعة تضمن الجدوى والسرعة في سقف زمني يحدّد بكل تبصر و ترو.
هذا الأمر ليس صعبا على التونسيين، إذا توفرت إرادة التجاوز بحس وطني صادق يبني بصورة جادة لتونس المستقبل بعيدا عن التشكيك ونوايا العرقلة والتعطيل ، حتى لا يتكرر الإخفاق على حساب كل التونسيين فيتعمّق الفشل و يتبخر الأمل ...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115