تونس : حقائق حول التداين العمومي

أصدرت وزارة المالية نهاية الأسبوع الفارط الأرقام المحيّنة لوضع التداين العمومي إلى موفى سنة 2015.. وكالعادة تمرّ هذه الأرقام دون أن تثير حوارا ذا شأن رغم كونها تتعلق بأحد أهم الأبعاد الاستراتيجية في سياستنا العمومية..


لا شك أن النسبة الإجمالية لتدايننا العمومي تبقى مقبولة إلى حد ما، فهي قد بلغت في نهاية سنة 2015 53,9 % من الناتج الإجمالي المحلي.. وهي نسبة تُعدّ معقولة خاصة عندما نقارنها بالاقتصاديات التي بلغت فيها نسب التداين أرقاما قياسية كاليونان، حوالي 180 %، وفي جل الدول الأوروبية الكبرى التي تتراوح نسب تداينها الخارجي في حدود 100 % من ناتجها الإجمالي المحلي...

ولكن نخطئ عندما نعتقد أنه بإمكاننا تجاوز مستوى تدايننا الخارجي الحالي لأن انعكاساته السلبية بدت واضحة منذ الآن...

أوّل رقم يلفت الانتباه هو ارتفاع مديونيتنا في سنة واحدة بأكثر من ثلاث نقاط كاملة إذ كانت في نهاية سنة 2014 بــ 50,8 % من الناتج الإجمالي المحلي فأصبحت في موفى سنة 2015 53,9 % وقد ارتفع إجمالي الدين العمومي من حوالي 41 مليار دينار إلى 46 مليار دينار ولكن الإشكال الكبير أن الارتفاع كان فقط في تدايننا الخارجي الذي ازداد في سنة واحدة بأكثر من 5 مليار دينار.. فبعدما كان يمثل التداين الخارجي حوالي 60 % من تدايننا العمومي سنة 2014 أضحى يشكل قرابة 65 % في ظرف سنة واحدة..

وهذا بطبيعة الحال قبل احتساب القروض الجديدة التي أقدمت عليها تونس خلال سنة 2016 من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير والبنك الإفريقي للتنمية علاوة على قروض متوسطة الحجم من صناديق ومنشآت عربية ودولية...

وهذا التحوّل الهام في هيكلة ديننا العمومي بين جزئيه الداخلي والخارجي ينعكس أيضا على خدمة الدين (أي ما ندفعه سنويا من أصل الدين ومن فوائده).. فخدمة الدين بقيت هي هيَ تقريبا من سنة 2014 إلى سنة 2015 (4865 مليون دينار سنة 2014 و4820 مليون دينار سنة 2015) ولكن ما تغيّر فيها هو ارتفاع خدمة الدين الخارجي بحوالي 400 مليون دينار ولكن، وهذه مفاجأة إلى حد ما، تبقى رغم ذلك خدمة الدين الداخلي أرفع، حتى في سنة 2015 من خدمة الدين الخارجي إذ تبلغ الأولى 2790 مليون دينار فيما لا تتجاوز الثانية 2030 مليون دينار...

وتعود هذه المفارقة إلى أن شروط التداين الخارجي، في مجملها، أفضل بكثير من شروط التداين في السوق الداخلية التونسية وذلك على مستوى المعيارين الأساسيين للتداين فعلى مستوى الفائدة نجد أن معدلها بالنسبة لقروضنا الخارجية هي 2,8 % بينما ترتفع إلى 5,9 % في السوق الوطنية كما أن معدل آجال القروض هي 7,9 سنوات في تدايننا الخارجي وتنزل إلى 5,2 سنة في السوق المحلية وكل هذا يجعل من خدمة الدين المحلي أرفع بكثير من خدمة الدين الخارجي رغم أن هذا الأخير يمثل من الناحية الكمية ضعف التداين المحلي...

هذه المعطيات المتوفرة على الموقع الرسمي لوزارة المالية عادة ما تغيب في النقاش السياسي حول التداين إذ لا نتحدث إلا عن التداين الخارجي وشروطه وإكراهاته وننسى أن هنالك تداينا داخليا لا يقلّ إكراهات عن التداين الخارجي... وربما تكمن الإيجابية الوحيدة في التداين الداخلي هو أن سداده يتم بالعملة المحلية على عكس التداين الخارجي. الأرقام المتوفرة الآن والتي يمكننا أن نناقشها ببرودة تبيّن كم هي مغالية ومجانبة للواقع تلك الدعوات التي كانت ملحة إبّان الثورة لمراجعة مديونيتنا وحتى لطلب تدقيق محلي ودولي حولها في حين أن نسبة التداين الخارجي سنة 2010 كان دون ربع الناتج الإجمالي المحلي (24,3 %) ورغم لجوئنا في أكثر من مرة وعلى امتداد هذه السنوات الخمس إلى الاقتراض الأجنبي فإن نسبة تدايننا الخارجي لم تتجاوز 35 % سنة 2015..

لعل هذه الأرقام هي التي تطمئن الحكومة التونسية وتجعلها تعتقد أنه بإمكانها مزيدا من اللجوء إلى التداين.....

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115