يوم حامي الوطيس في البرلمان: المسألة الليبية وانقسام الطبقة السياسية

يوم أمس كشف من جديد عن عمق انقسام الطبقة السياسية التونسية عندما ناقش مجلس نواب الشعب المسألة الليبية والاصطفاف داخل ساحتها

وكل أصناف التدخل الأجنبي فيها وكيف نتصدى لكي لا تتحول بلادنا إلى منصة خلفية لأي صنف من أصناف التدخل العسكري في جارتنا الشرقية.

سوف لن نتوقف عند كل تلك المناوشات التي ميزت الساعات الأولى لجلسة أريد لها مناقشة مشروع لائحة قدمها الحزب الدستوري الحرّ حول منع تحول بلادنا إلى منصة للتدخل الأجنبي في ليبيا ثم جلسة مساءلة مقنعة لرئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي حول تصرفاته الأخيرة وخاصة تهنئته للسراج بمناسبة استعادة جيشه لقاعدة الوطية.
لقد كشف مشروع لائحة الحزب الدستوري الحرّ عن عمق الانقسام وانخراط العديدين الفعلي في سياسة المحاور.لقد اختارت رئيسة الحزب الدستوري عبير موسي الألفاظ والعبارات التي تضعها في محور النقاش وتفرض على الجميع التموقع معها أو ضدها ..

واللافت للنظر هنا هو التكتيك الناجح الذي عمدت إليه رئيسة الدستوري الحرّ فبعد تقديمها لمشروع أولي ذي سقف عال يشير بالاسم إلى تركيا وقطر ومشروع الاخوان المسلمين في المنطقة قبلت، بعد تعدد الطلبات، بتنقيحات شكلية وحذفت أسماء هذه الجهات الثلاث مع المحافظة على اشارة غير مباشرة ولكنها واضحة للوجود العسكري التركي في ليبيا، ورغم أنها لم تتمكن - مع هذا - من تمرير لائحتها بأغلبية 109 أصوات إلا أنها حصلت على أغلبية الحضور (94 مع - 68 ضد ) ممّا يمثل بلا شك أحد أهم الانتصارات البرلمانية لعبير موسي إلى حد الآن ويؤكد خروج الدستوري الحر من عزلته وبداية العزلة المتزايدة لراشد الغنوشي.
الكل ضد التدخل الأجنبي في ليبيا ولكن الكل مختلف في تحديد نوعية التدخل المشجوب..

يوم أمس ظهرت مواقف ثلاثة من المسالة الليبية: من هم مع حكومة السراج وحلفائه أي تركيا وقطر بوضوح والولايات المتحدة بصفة ضمنية ومن هم مع حفتر وحلفائه أي الإمارات ومصر وروسيا ومن هم ضد كل أصناف التدخل ويوزعون الشرعية بين حكومة الوفاق (السراج) وبرلمان طبرق الذي عين خليفة حفتر كالقائد العام للجيش الوطني الليبي ..
نحن أمام حالة لبننة متقدمة أي انخراط جملة من الأحزاب والجهات المحلية في سياسة محاور عسكرية إقليمية وتحولها إلى شبه ناطق باسمها داخل الساحة الوطنية.
اليوم الأحزاب التابعة للمحور القطري التركي أضحت واضحة وهنا نتحدث عن حركة النهضة وحليفها ائتلاف الكرامة ..

نحن لسنا أمام تحليل أو تمسك بـ«الشرعية» الدولية لحكومة الوفاق ..إننا أمام «تحليل» يعتبر أن الداعم الإقليمي الوحيد للربيع العربي هو المحور القطري التركي فقط لا غير وان وجود هذه القوى محليا، أي في تونس ،مرتبط اشد الارتباط بإسداء خدمة الاعتراف لهذا المحور ودعم تمدده الإقليمي ..والملاحظ هو الصمت المطبق عندما تتقاطع مصالح هذا المحور الإقليمي في ليبيا مع الاستراتيجيا الامريكية المستعدة للتدخل لا للانتصار لشرعية السراج بل للحدّ من التمدد الروسي المساند بوضوح لخليفة حفتر.

وفي المقابل نجد عند أطراف أخرى إصرارا على عدم التنديد بالتدخل الإماراتي المصري السعودي المسنود اليوم من قبل بعض الدول الأوروبية ومن روسيا بوتين بصفة خاصة ..

لا نجد اليوم من يدافع بصفة علنية واضحة عن المحور الإماراتي السعودي المصري إذا ما استثنينا سابقا شخصيات بارزة في نداء تونس ،ولكن ما يظهر وجود هذا الصنف الآخر من التبعية هو التنديد المستمر فقط بالمحور القطري التركي ووجود كل الأعذار للمحور الآخر حتى عندما تتم الإساءة للبلاد كما حصل مع الإمارات عندما منعت التونسيات من دخول الإمارات أو تلك الجريمة النكراء التي استهدفت الصحفي السعودي جمال خاشقجي أو تلك المجزرة التي تتواصل أمام أعيننا في اليمن نتيجة صراع اقليمي آخر بين السعودية رالامارات من جهة وايران وحلفائها المحليين من جهة أخرى.

هذه اللبننة الزاحفة جعلت يوم أمس الكتل والنواب – وهم كثر – غير المنخرطين في أيّ محور في حالة قلق إذ لم يجدوا ما يكفي من قوة ومن وضوح لرفع صوت مختلف يؤكد على استقلالية القرار السياسي التونسي وان الأحزاب التونسية ليست مدينة لأي محور إقليمي ..
الإشكال الأساسي هو التباين بين غالبية التونسيين غير منخرطين في هذه المحاور الإقليمية وجزء هام من الطبقة السياسية التي أصبحت تدين بالولاء لعواصم أجنبية بصفة واضحة جلية بل وبكل افتخار ..

لقد كشف الحوار البرلماني الساخن يوم أمس ان طبقتنا السياسية في بعض أجزائها أضحت منخرطة بصيغ مختلفة في محاور إقليمية واضحة ..وان الإشكال الأساسي ليس فقط في افتئات رئيس مجلس نواب الشعب على الصلاحيات الحصرية لرئيس الدولة بل وكذلك للثمن السياسي الخطير للاصطفاف في محاور سترتهن حتما القرار الوطني ..
الخطر كل الخطر هو ان تفقدنا جهات سياسية نافذة اليوم استقلال قرارنا الفعلي تحت مسميات رنّانة ولكنها في الحقيقة لا تعني سوى التبعية لا غير ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115