وسائل الإتصال والتواصل تعطي مشاهد عامة شبيهة بالأفلام الّتي تعرض صور متابعة الأوبئة و مخلفاتها.
إن المحيط الضيق الّذي نتحرك فيه أيام الحجر والحضر و المشهد العام في الداخل والخارج ، حالات تكشف وقع المخاوف من غد قريب مفتوح على كل التوقعات، وتحملُ صورا افتراضية لغد بعيد سيكون في كل الأحوال بوجه مختلف .
فيروس كورنا يسجل حضوره بقوّة، وجعلنا نتدرج في تلمّس القتامة في أنفسنا، وفرض على الحكومات و المؤسسات والأفراد تعديل كل ما كان مبرمجا و مسطرا ، فتساوى الجميع ، أمام الخوف من المجهول .
لكن مخاوف الأفراد تبدو أكثر تجلّ وواقعية ، بالقياس على مخاوف الحكومات التي تغرق في التفاصيل والفرضيات، لأنها مطالبة بتحمل أعباء مجابهة مخاوف واستهتار و حاجيات رعاياها بكل ما في هذه الكلمة من معاني و دلالات.
لذلك يُفترض أن يفكر الماسكون بالسلطة بكل تبصر وحذر ، قبل اتخاذ أي اجراء أو تصرف أو قرار ،بخصوص تقنين التدابير المصاحبة لمجابهة ما سينجم عما سطروه للتوقي من إنتشار الوباء.
لقد أكدنا على ضرورة اتخاذ تدابير سريعة مصاحبة ، مباشرة بعد إعلان رئيس الحكومة يوم 13 مارس 2020 عن حزمة الإجراءات ضمن خطّة عامّة لدرء المخاطر وإقرار اجراءات حماية البلاد من مزيد إنتقال حالات الوباء من الخارج ،و القيام بما تتطلّبُه الوقاية للحد من إنتشار الفيروس الخطير في الداخل بعد تسجيل وجود إصابات بصدد المتابعة، و لكن حصلت لخبطة و أخطاء أقرّ بها الخاص والعام.
نعيد التأكيد على أهمية و دقة التدابير المصاحبة بعد أن أفادت المستشارة المكلفة بشؤون الإعلام و التواصل برئاسة الجمهورية لوكالة تونس إفرقيا للأنباء بأن السيد قيس سعيد سيتولى اليوم ختم القانون المتعلّق بالتفويض لرئيس الحكومة بإصدار مراسيم لمجابهة تداعيات انتشار فيورس كورونا (كوفيد 19 ) بعد انقضاء آجال الطعن.
بذلك يكون لرئيس الحكومة إصدار المراسيم التي تقتضيها الظروف الاستثنائية بمجرد نشر القانون بالرائد الرسمي حيث يُنتظر أن يتم اصدار ما لا يقل عن 12 مرسوما تتعلّق بمختلف المجالات.
هذه المراسيم المنتظرة الّتي نص القانون الجديد عليها ستنظم كل المسائل المتعلّقة بالإجرءات المتصلة بالتدابير الهادفة إلى الاحاطة و الدعم والمساعدة المباشرة للأفراد والمؤسسات المتضررين من تداعيات الفيروس و تعبئة الموارد لفائدة ميزانية الدّولة و المستوجبة لتغطية التكاليف. كما تتعلّق بإقرار أحكام استثنائية في اللآجال والاجراءات في الدعاوى و الطعون أمام مختلف أصناف المحاكم ، و تنظيم الحقوق والحريات لما يتلاءم مع التدابير الوقائية المستوجبة. وأيضا فيما يتعلّق بالميدان الصحي والبيئي والتعليمي و الثقافي، وكذلك ميدان تسيير المرافق العمومية والضمانات الأساسية.
إن فحوى هذه المراسيم سيمكن تبيّنها والتعليق عليها عندما نتعرّف على تفاصيلها الّتي قد تثير الكثير من الجدل خاصّة تلك ستتعلّق بما سُمّي بتعبئة الموارد لفائدة ميزانية الدّولة و المستوجبة لتغطية تكاليف الاحاطة والدعم والمساعدة للمتضررين من تداعيات الحجر الصحي الشامل و حضر التجوّل ، و أيضا التكاليف المتعّلقة بالميدان الصحّي الّذي وفّرت له المساعدات والهبات والتمويلات من الداخل والخارج جزءا لا يستهان به حسب ما تمّ تداوله.
إن الإشكال الّذي ستكون الحكومة إزاءه هو تحديد الأولويات و كيفية توزيع الأعباء والتضحيات ،و هو ما يقتضي اتفاق بين أعضاء الحكومة على خطة واضحة أو خارطة طريق سيطالب فيها رئيس الحكومة على إيجاد التوازن الضروري لتجنب تفكك الأغلبية الحاكمة من جهة ، ومن جهة أخرى، لتجنّب الاجحاف في حق أي فئة اجتماعية، درءا لردود الفعل الّتي تعطّل تنفيذ خطّة المجابهة الّتي رسمها في هذا الظرف الشائك.
هذه المعادلة لن تكون سهلة المنال وهو ما يؤكّد أن التفويض المسند لرئيس الحكومة يحمّله مسؤولية كبيرة كي يدير تداعيات الوضعية الاستثنائية ،بحيث ستضع هذه المعادلة كل الحكومة في امتحان عسير ،و سيكون النجاح فيه مؤشرا إيجابيا على مستقبل الإتلاف خاصة ،و على السياسة العامة للفترة المقبلة و على الحالة الصحية لعلاقات الرئاسات الثلاث .
من هنا يصح القول بأن الغد البعيد سيكون في كل الأحوال بوجه مختلف ستنكشف بعض ملامحه في الغد القريب .