الإمضاء على المذكرة التعاقدية للائتلاف الحكومي: تعاقد حول ماذا ؟

تم يوم أمس توقيع المذكرة التعاقدية من أجل ائتلاف حكومي من قبل الأحزاب المشاركة في الحزام السياسي لحكومة الياس الفخفاخ وأهم هذه الأحزاب

تمثيلية نيابيا النهضة والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس كما أمضت كتلة الاصلاح المشتملة على أربعة أحزاب ذات تمثيلية ضعيفة وهي مشروع تونس ونداء تونس وآفاق تونس والبديل.
في البدء لابد من التنويه بعملية كهذه، فحكومة ائتلافية لابد أن تتأسس على وثيقة جامعة توضح هويتها وبرنامج حكمها..
ولكن السؤال هو هل أن هذه المذكرة التعاقدية تمثل، ولو بصفة مجملة، برنامج حكم أم لا ؟
عندما نطالع بدقة الصفحات العشر لهذه المذكرة ببابيها الكبيرين (الأسس والمبادئ والمقاربة الحكومية) وبنقاطها الثمانين لا نلاحظ خطا فاصلا أو التزاما دقيقا مناطا بعهدة الحكومة فإجراء الانتخابات الجهوية في أفق 2022 أو إرساء المحكمة الدستورية واستكمال الهيئات الدستورية كل هذه الالتزامات تتعلق بأطراف عدة ودور الحكومة فيها لا يتجاوز التيسير في أحسن الحالات..
هل يمكن أن نحدد الطبيعة السياسية للحكومة القادمة من خلال هذه الوثيقة؟
يمكن أن نقول أن هذه الحكومة تريد الالتزام بمبادئ الثورة (النقطة الأولى) وبعلوية الدستور (النقطة الثانية) وبتعزيز منظومة الحقوق والحريات والمساواة (النقطة الرابعة) وبعد ذلك في مجال فصل «الانتقال إلى دولة آمنة تضمن العدل والإنصاف» نجد في النقطة الثالثة «تفعيل مخرجات العدالة الانتقالية طبقا للقانون المتعلق بها» .
باستثناء هذه النقاط التي قد تثير حفيظة البعض بمن فيهم من أمضى يوم أمس على المذكرة خاصة في مجال المساواة بين الجنسين أو الانتماء للثورة وإرادة تفعيل العدالة الانتقالية (بالنسبة للدستوري الحر ولكن لبعض المكونات الحكومية داخل كتلة الاصلاح) فإن بقية النقاط هي محل إجماع بين كل التونسيين، وهذا «الإجماع» لا يعني شيئا كثيرا لأنه لا يتعلق بنقاط دقيقة بل بشعارات عامة مثل «تحسين القدرة الشرائية» أو «انجاز النقلة الطاقية» أو «إصلاح الصحة العمومية».
في جل الدول الديمقراطية تكمن الصعوبة الأساسية عند تشكيل حكومة ائتلافية في الاتفاق حول برنامج الحكم بداية لا في توزيع الحقائب ولذلك نرى أن جلّ هذه الائتلافات تركز في مرحلة تشكيل الحكومة الائتلافية على برنامج واضح ومحدد للحكم حتى لا ينفرط عقد الائتلاف أمام أول قرار قد تتخذه الحكومة المنبثقة عنه.
صحيح أن الياس الفخفاخ لا يملك إلا شهرا واحدا بحكم الدستور وان المشاكل التي اعترضته من اجل تكوين حزام سياسي كانت كبيرة ولكن هذا لا يعفيه،هو وفريق العمل الذي يرافقه،من تقديم شبه برنامج حكم فيه قرارات مرقمة ومحيّنة لا مجرّد أماني وكلمات فضفافة من صنف «تحسين» و«إنعاش» و«الشروع» و«تفعيل» و«تعبئة» و«اعتماد» و«إيجاد» وهي الكلمات التي بدأت بها كل جمل الأولويات العاجلة الثماني للحكومة القادمة، وهنا لا وجود لأي رقم أو إي التزام أو أي ضبط لكل هذه الأولويات التي تقر الوثيقة بأنها عاجلة أي أن مجال تطبيقها هو في هذه السنة بالأساس .
لاشك أن الياس الفخفاخ مضطر للانتقال من العموميات إلى التخصيص صرح بذلك أم لم يصرح، والخروج من هذا التعميم قد يكون مضرا بتماسك هذه الحكومة لأننا نعلم أن مكوناتها السياسية غير متفقة حول أهم الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية الواجب اتخاذها لوقف النزيف في المالية العمومية وفي مختلف أصناف العجز الذي تعاني منه البلاد وكذلك في حوكمة موارد الدولة وفي أولويات الإصلاح ومداخله ..
ولعل الياس الفخفاخ قد تجنب هذا الوضوح الضروري للحكم حتى لا يفسد الودّ الصعب في حزامه السياسي ولكنه مضطر الى بعض الوضوح بدءا من خطاب نيل الثقة ثم في السياسات المعلنة أو الضمنية التي سينتهجها..
بعض سياسيينا يرون أن الحكمة هي في فعل نقيض ما يقولون وفي إعلان سياسات عمومية كلها وعود ايجابية وممارسة عكسها دون الاعلان عنها او الاكتفاء فقط بمفهوم «الإصلاحات الموجعة»..
ما نتمناه من الياس الفخفاخ هو إتباع السلوك السياسي القويم القادر لوحده على إعادة الثقة بين الحاكم والمحكوم،وقوام هذا السلوك هو شعار احد برامج الجودة العالمية : «فعل ما نقول وقول ما نفعل».
لننتظر إجابة أولى في خطاب منح الثقة غدا ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115