في نهاية نفق المشاورات: تحديات إئتلاف حكم المرحلة القادمة

تقف الطبقة السياسية التونسية مرّة أخرى أمام إكراهات تفرضها مجريات المناخ السياسي المتّسم بالتشرذم و ضعف التفكير السياسي

و ضيق آفاق سبل الخروج بالبلاد من الأزمة الإقتصادية والإجتماعية الّتي تعيشها منذ حوالي تسع سنوات .

فبعد أن اتجهت النهضة نحو ترشيح السيد الحبيب الجملي لمنصب رئاسة الحكومة وكشفت عن نوايا الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب ، عن نوايا الإستئثار برئاسة مجلس نواب الشعب و الحكومة و أهم الحقائب الوزارية في الحكومة المنتظرة ، أبدى حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب و تحيا تونس عدم رغبتهم في المشاركة في الحكومة المنتظرة مع مرونة في الحوار والتشاور ، في حين رفض الحزب الحر الدستوري من أوّل وهلة المشاركة في المشاورات أو في الحكومة .

وفي نفس الوقت أظهر حزب قلب تونس توجها مسايرا لحركة النهضة بادر بترجمته فعليا بالتصويت لفائدة زعيم النهضة في انتخابات رئاسة مجلس نواب الشعب . أما ائتلاف الكرامة فقد واصل دعمه لحركة النهضة دون اشتراط مشاركته في الحكومة ،و هو نفس الموقف الّذي اتحذته تقريبا مختلف الشخصيات المؤيدة لحركة النهضة.

ولكن أمام ردود فعل الرأي العام جرّاء طول الإنتظار ،و اعتبارا لما تمّ نشره من نتائج لسبر الآراء ،و قراءة لخلفيات كلمة رئيس الجمهورية قيس سعيد يوم 17 ديسمبر 2019 بسيدي بوزيد، و أثرها في ردود فعل الشارع التونسي، وخوفا من تجاوز أجل الشهر الثاني الممنوح لرئيس الحكومة المكلف دون نتيجة ، أعادت أحزاب حركة النهضة و التيار الديمقراطي و حركة الشعب وتحيا تونس ضبط حساباتها، بالتوجه نحو الحلول التوافقية درءا للخسائر المنتظرة من مزيد التمسك بمواقفهم المبدئية الّتي تم التعبير عنها في مراحل تشاور الشهر الأوّل.

وواصل ائتلاف الكرامة الّذي حصل فيه بعض الانشقاق، دعمه الضمني لحركة النهضة، في حين تمّ استبعاد حزب قلب تونس من الحكومة بالضرورة الّتي اقتضاها التوافق الرباعي، ولكنه يبقى عجلة احتياطية ستعمل النهضة على الحفاظ عليها بما أتيح لها من وسائل .

وكما سبق أن توقعنا فإن حركة النهضة أعادت خلط الأوراق بعد أن فشلت في الشهر الاول في تشكيل الحكومة ، وقدّمت ما أمكنها من تنازلات محسوبة لإيجاد حلول ظرفية .

وفي نفس السياق بدا حزب التيار و حركة الشعب و تحيا تونس مجبرين على التفاعل مع المستجدات و مع ردود الفعل السلبية للرأي العام ّالّذي أصبح يحمّل الأحزاب الفائزة ،مسؤولية وتبعات تعطل تشكيل الحكومة ،و كذلك عمّا قد يحدث من تبرّم في بعض الجهات ، كما حصل ويحصل في ولاية تطاوين ،أو التهديد بالإنتحار الجماعي أمام مجلس نواب الشعب ،بالإضافة إلى بعض المؤشرات الّتي تنبئ بحصول تحركات أخرى في قطاعات و في جهات مختلفة .

جميع هذه الاكراهات ، أملت من جديد خيار التوافق الهش ، الّذي سبق أن عانت البلاد من ويلاته، بسبب عدم بنائه على خيارات صحيحة فحمل منذ البداية أسباب فشله ، لذلك وُصفَ بالمغشوش، وأُعتبر حلا وقتيا يطمس الخلافات ولا يقدر على تقديم الحلول .

يذكر الجميع موقف الراحل الباجي قائد السبسي بخصوص توافقه مع النهضة ، وتبرير ذلك بعدم تمكين الشعب له من أغلبية مريحة ، و هو نفس التبرير الّذي ذهب فيه الغنوشي بإسم التشاركية لضمان الأغلبية الّتي مكنته من ترؤس مجلس نواب الشعب، و لتبرير خيارات الشهر الأول الّذي اتجه فيه إلى التعويل على حزب قلب تونس ومؤيديه لهندسة الحكومة المقبلة.

في نفس السياق كانت الإكراهات الجديدة وراء إعادة خلط الأوراق و تسجيل تنازلات جديدة، للخروج من المأزق. هذه الطريقة نفسها اتبعها أيضا الراحل قائد السبسي بوثائق قرطاج 1و 2 ، الّتي كانت تستعمل ، كمحطات لإمتصاص الغضب واسترجاع الأنفاس بالتعويل على «معجزة» قد تأتي وقد لا تأتي.

لا نريد أن نقول أن التاريخ يعيد نفسه، ولكن نلاحظ أنه من الغباء ألاّ نتّعظ بالتجارب السابقة، وأن يتكرّر القول «مكره أخاك لا بطل» دون أن نغيّر التمشي ودون النفاذ إلى الحلول الكفيلة بإسترجاع الثقة والقطع مع نوازع الإحباط والتشاؤم

إن الخوف من المستقبل الّذي نتابع تجلياته في إستطلاعات الرأي أصبح شبيها بـ«الجاير» السياسي ، «طالع هابط» في نفوس الناس الّذين تمكّن منهم «قرح» الارتجال و التجريبية لزعماء الحزبية الضيّقة .

لم نر إلى حد الآن آفاقا لحل الأزمة ، لأن كل ما يُقدّمُ لا يشكل حلولا ، بل محاولة لتجاوز اكراهات ظرفية . و هو نفس التمشي الّذي يتكرّر في الانتخابات( التصويت الاضطراري ) وكذلك في طريقة ممارسة السلطة .و بالتالي فإن المهم ليس في اقناع الثلاثي أو الرباعي أو الخماسي بالمشاركة في الحكم، و إنّما الأهم، في ما يمتلكه المشاركون من قدرات و تصورات وامكانيات لإيجاد الحلول للبلاد ، بواقعية وتبصر، لمجابهة مقتضيات المرحلة المقبلة من حلول عاجلة و آجلة لتجاوز الأزمة . و كذلك الخوض في الخلافات الحالية وفضها أو الاتفاق على كيفية فضها مثل تعيين الغنونشي لأتباعه «بديوان مجلس النواب» أوتشكيل حكومة ظل موازية بالقصبة ...إلخ .لذلك نحبّذ أن نتابع إعلانا عن خيارات مشتركة تُلزمُ الحكومة الجديدة بتحقيقها ، قبل أن نعرف أسماء الوزراء الّذين سيتعهدون بتنفيذ تلك الخيارات ، بحيث يكون الوزير المعيّن عارفا بما ينتظره من تعهدات حكومية ، كي لا يسهل التنصل من المسؤولية . بهذا يمكن أن يبرّر الانتظار و يقبل ،إذا كانت كل النوايا طيّبة...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115