مفاوضات تشكيل الحكومة: بداية العد التنازلي

أعلنت حركة النهضة في بيان مكتبها التنفيذي ليوم أمس أنها تواصل للأسبوع الثاني على التوالي

«اتصالاتها مع عدد من الشخصيات الوطنية وممثلي الأحزاب وفاعلين سياسيين لبلورة التصور الأولي لبرنامج الحكومة المقبلة بما يحقق الرفاه والأمن والاستقرار».

في هذه الفقرة من البيان اعتراف بأمرين اثنين :
• غياب الخطوط الأولوية لبرنامج حكم عند حركة النهضة
• غياب بداية اتفاق لتحالف حكومي ممكن..

وهذا يعني أن الحركة الإسلامية لم تكن مستعدة للحكم والدليل أن قياداتها الأولى كانت تؤكد على ضرورة حشد الجهود في الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية التشريعية حتى تتفوق على حزب «قلب تونس» لذلك كان هاجسها الوحيد قبل 6 أكتوبر ألا يتم إقصاؤها من المبادرة السياسية لو تأخرت في الترتيب عن قلب تونس ولكنها لم تستعد مطلقا لتشكيل حكومة لا من حيث المضمون (برنامج حكم) ولا من حيث الشكل (بناء تحالفات سياسية ) ولعل ما يفسر هذا اللااستعداد هو هزيمة النهضة في الدور الأول للرئاسية وسعيها بعد ذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في التشريعية .

والغريب أن حركة النهضة أرادت أن تحول هذا اللااستعداد الظاهري إلى نوع من المكابرة السياسية : أنا أشكل الحكومة وأرأسها وسوف نرى حول أي برنامج ومع من يريد بعد ذلك !! بل وذهبت في المكابرة إلى أقصى حد عندما عملت على تغطية هزيمتها الكبيرة في الدور الأول للرئاسية وتقديم فوز قيس سعيد وكأنه فوز لها في حين انه حصل على خمسة أضعاف من صوت للنهضة في التشريعية..

ولكن ما لا يخفى على احد أن عجلة الزمن تدور بسرعة وان أسبوعين يفصلاننا ،تقريبا،عن موعد الإعلان الرسمي عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية واحتمال خسارة النهضة لمقعد ألمانيا بما يجعل كتلتها النيابية،مبدئيا،في حدود 51 نائبا وبعد ذلك لديها اسبوع فقط لترشيح شخصية (من داخلها أو خارجها) لرئاسة الحكومة المقبلة .. أي أن حركة النهضة لا تملك إلا زهاء ثلاثة أسابيع لتحقيق توافقين جد معقدين وفي أسبوع واحد تقريبا : رئيس(ة) حكومة مقترح (ة) ورئيس (ة) لمجلس نواب الشعب.

• لا يعتقد عاقل واحد بأن حركة النهضة ستفرط في اخذ زمام المبادرة السياسية التي منحها إياها الدستور باقتراح شخصية لا حظوظ لها ولا حزام سياسي لها.

تعلم كل القيادات النهضوية التي لا تمتهن التزلف لـ«الشيخ» بان رئيس الحركة لا يمكنه البتة ان يكون الشخصية الجامعة لا في القصبة ولا في باردو ولكن الحركة تمعن في إظهار الإصرار على تقديم اسمه للقصبة ،بما في ذلك رئيس الحركة نفسه الذي رأى أن رئاسته للحكومة القادمة مسالة واردة، ونتيجة لكل هذا أن المشاورات مع أطراف الحكم المحتملين وخاصة التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس بقيت في نقطة الصفر وان ائتلاف الكرامة هو الكتلة النيابية الوحيدة التي عبرت عن استعدادها لدعم حكومة نهضوية ولكن لا مصلحة مطلقا للحركة الإسلامية الباحثة عن المقبولية الوطنية والإقليمية والدولية أن تجد كداعم أساسي لها مجموعة اسلاموية هلامية لها وشائج واضحة مع التطرف الديني.

• قبل أيام قليلة من اختيار الشخصية التي سترشحها النهضة للقصبة لا وجود لتقدم يذكر لا على مستوى صياغة برنامج الحكم ولا عن التحالفات الممكنة ما دامت النهضة تصر على حكومة سياسية تقودها شخصية نهضوية ..

بعبارة اخرى تكاد تمر 3 أسابيع على الانتخابات التشريعية دون تقدم يذكر لا على هوية الحكومة القادمة ولا على هندستها ولا على قيادتها ، وسيضغط الوقت كثيرا على صاحبة المبادرة، حركة النهضة ،وسيفقدها أيضا الكثير من القدرة على المناورة حتى لو ارادات تغيير تكتيكاتها من ترشيح رئيسها الى احد شخصياتها - زياد العذاري وزير التنمية هو أكثر الأسماء تداولا - او اللجوء الى شخصية مستقلة في ربع الساعة الأخير ، ولكنها قد لن تجد آنذاك ضالتها وقد لن تقبل شخصيات مرموقة لها القدرة على قيادة البلاد بالمجازفة بأسمائها وهي غير متأكدة من وجود الحزام السياسي الضروري لكي تنجح في مهمتها ..

يقول العرب القدامى : الحيلة في ترك الحيل، وكذا الأمر في المفاوضات السياسية لتشكيل حكومة بدءا بالحسم في هويتها اي في قيادتها حزبية أم مستقلة، ثم في برنامجها وأخيرا في مسانديها دون اللجوء الى لعبة البوكر الكاذب فإخفاء الأوراق الى اللحظات الأخيرة مضر يصاحبه أكثر من إضراره بالشركاء المفترضين .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115