وترجل الباجي قائد السبسي

غادرنا صباح يوم أمس الباجي قائد السبسي ،أول رئيس جمهورية منتخب مباشرة من الشعب

في انتخابات حرة ونزيهة وتعددية.

سوف يأتي الزمن ليقول التاريخ كلمته في أداء ودور الباجي قائد السبسي وفي الوقوف على ايجابياته وأخطائه ولكن اليوم الزمن هو للخشوع وللحداد وللحزن أمام مصيبة الموت، واليوم هو للترحم على روحه الطاهرة وللوقوف على رمزيات استثنائية في مسيرة نجمع كلنا على استثنائيتها بغض النظر عن تقديم مضمون سياساتها ..

رافق الباجي قائد السبسي الشاب الحركة الوطنية ضد المستعمر ثم كان من رجالات بورقيبة ومن بناة دولة الاستقلال وتقلد مناصب سيادية آخرها خماسية كاملة على رأس الديبلوماسية التونسية وبعد ترؤس وجيز للبرلمان زمن بن علي عرف الباجي قائد السبسي عشريتين من «التقاعد» السياسي كان فيهما بعيدا عن الأضواء ولكنه بقي متابعا فطنا لما يدور في البلاد وللتحولات الكبرى التي شهدها العالم خلال تينك العشريتين، وكل من عرفه في تلك الفترة يذكر دقة التحليل وقدرة الرجل على الاستشراف ..

وشاءت المقادير أن يصاحب الشيخ المتقدم في السن الخطوات الأولى للثورة التونسية ، وكان يقول دوما يوم 14 جانفي كنت في منزلي وأنا لا ادعي أنني ساهمت في الثورة ولكنني أؤمن بمخرجاتها وأهمها على الإطلاق الديمقراطية ودولة القانون ..

لا يمكن تلخيص أكثر من سبعة عقود في العمل السياسي وفي تحمل المسؤوليات وفي التجربة السياسية للرجل حتى عندما ابتعد لعقدين عن الأضواء والمسؤوليات ،ولكن لا مناص من الاعتراف بأنه ترك بصمة لا يضاهيه فيها احد على تاريخ تونس المعاصر .

اليوم ترجل الباجي قائد السبسي وغادر هذه الحياة الدنيا ولكن ما حصل يوم أمس يدفع على الفخر والاعتزاز بهذه البلاد وبثورتها وبمؤسساتها وبدستورها رغم تعثرات الطريق ورغم الانتقادات اللاذعة التي يمكننا أن نوجهها لكامل هذه السنوات الثماني .

لقد غادرنا الباجي قائد السبسي على الساعة العاشرة صباحا وخمس وعشرين دقيقة وبعد اقل من أربعين دقيقة صدر البلاغ الرسمي لنعيه من قبل رئاسة الجمهورية وقبيل الساعة الخامسة مساء كان لنا رئيس جديد للدولة بمقتضى الدستور وبعد معاينة الهيئة الوقتية ادى محمد الناصر رئيس مجلس النواب اليمين الدستورية وأصبح بمقتضى ذلك رئيس الجمهورية الجديد لمدة لا تتجاوز تسعين يوما ..

ما حصل خلال هذه الساعات الست ما بين وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي وأداء القسم للرئيس محمد الناصر يدل بوضوح بأن بلادنا قد ربحت رهان الاستقرار الديمقراطي لمؤسسات الدولة .وان هذا الاستقرار الديمقراطي وهذا الانتقال السلس والسلمي للسلطة وفق نص الدستور هو احد أهم مكاسب تونس الثورة ..

لسنا ندري ما كانت مشيئة المقادير ولكن سيحتفظ التونسيون في ذاكرتهم بان الباجي قائد السبسي قد توفي في ذكرى تأسيس الجمهورية وان وفاته هذه وهو في نهايات عهدته الانتخابية ستغير الروزنامة السياسية رأسا على عقب وستحقق له أمنية عجز عن تحقيقها سنة 2014 وهي تقديم الانتخابات الرئاسية على التشريعية الآن وبصفة دائمة ستكون الانتخابات الرئاسية سابقة للتشريعية مع ما يعنيه هذا من تغير الأوليات السياسية ومن تأثير واضح وجلي للرئاسية على التشريعية سنخبره لأول مرة في الخريف القادم..

كلمة أخيرة لكل الأحزاب ولمن لها تمثيلية هامة في مجلس النواب، أفلا تكون أفضل تحية للراحل الكبير أن تصادقوا – رغم تحفظاتكم المعروفة – على القانون الذي أراده أن يرتبط بعهدته وهو قانون المساواة في الميراث؟

أليست هذه أفضل تحية وابلغ تكريم لأول رئيس جمهورية منتخب من قبل الشعب ؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115