اختبارات ...

يكثر الحديث والتأويل والتحليل والتلاعب بالعقول والتوظيف والتجييش ولكن المهمّ من كلّ ذلك هو أن يتساءل التونسيون: ماذا بعد

سيطرة مشاعر الخوف من المستقبل والإحساس بالاستياء والخيبة؟ وماذا بعد كلّ هذه الاختبارات التي نمرّ بها؟ ثمّ ما الدروس التي يمكن أن نستخلصها من الأزمات الأخيرة التي تمرّ بها البلاد؟

فرغم كلّ ما قيل حول أزمة انهيار المنظومة القيمية يبقى الحسّ الوطني والمواطنيّ حاضرا لدى أغلب التونسيين ويظلّ الإحساس بجسامة المسؤولية الملقاة عليهم هو الطاغي يكفي أن نتأمّل في الفيديوهات التي تنقل صورا من تعامل الناس مع الفيضانات في القصرين وقفصة وغيرها من المدن المنكوبة حتى نتفطّن إلى أهميّة التضامن وتطمئن قلوبنا إلى وجود هذه المشاعر الإنسانية النبيلة التي تجعل الواحد مستعدّا للتضحية في سبيل إنقاذ الآخرين، وهو أمر يدفعنا للتساؤل: لم لا يتجلّى هذا الحسّ التضامني في غير أزمنة الكوارث؟ لم يتغيّر سلوك التونسيين بمجرد انقضاء زمن الصراع مع الطبيعة انتزاعا لحقّ البقاء؟ ولم لا يتضامن التونسيون في سبيل ترسيخ قيم العمل والبذل والعطاء والتضحية حتى نتجاوز العقبات ونحقّق لبنة في مسار التنمية؟

وهنا وجب الانتباه إلى الثغرة الأولى المتمثّلة في عدم انتباه المجتمع المدنيّ إلى أهميّة تأسيس الجمعيّات التي تعنى بالإغاثة والتدريب على مهارات الإنقاذ والإسعاف الأوليّ حتّى يكون المجتمع مهيئا للتعامل مع الكوارث من خلال تكثيف الأنشطة التوعويّة وغيرها. ويعود عدم الاكتراث بهذا الموضوع إلى هيمنة البعد السياسي والمواطني والحقوقي والثقافي والاجتماعي الاقتصادي على اهتمام أغلبهم. فقد تضاعف هذا النوع من الجمعيّات على حساب الاهتمام بالجمعيات البيئية واستشراف المستقبل والحال أنّ صدور أكثر من تقرير ودراسة يشير بما لا يدع مجالا للشكّ إلى أنّ تونس من بين البلدان المهدّدة في السنوات القادمة بكوارث طبيعية مختلفة.
أمّا الاستنتاج الثاني فيتمثّل في قلّة خبرة عدد من الإعلاميين وغياب القواعد المهنية لدى البعض وقلّة الوعي لدى أصحاب القنوات ،وهنا يلتقي القطاع العمومي بالقطاع الخاص إذ بقيت التغطية الإعلامية للكوارث دون المستوى المأمول يبرز ذلك في مستوى الأسئلة التي تلقى على المواطنين، وفي مستوى الخطاب الذي يصاغ حول إدارة الأزمة، وفي مستوى التحليل وكذلك في مستوى البرمجة فكم استمعنا إلى حديث حول الموضة والأغنية الناجحة وكم استمعنا إلى التهريج ...وكأنّ ما يجري في المدن والأحياء لا يستحق أن نتوّقف عنده وهنا تكون الفجوة بين الطبقات الاجتماعية جليّة فالبعض يتسلّى والبعض الآخر يحاول أن يجد مأوى...وتلك قسمة ضيزى فالعدالة الاجتماعية ليست شعارا يرفع بل هي قيمة تترسخ في مستوى التخطيط وتصوّر البرمجة الهادفة التي تتجاوز الولولة والتوظيف السياسي إلى مد المواطنين بالمعلومات التي تنفعهم .

ولا تتوقّف الاستنتاجات عند هذا الحدّ إذ نلمس لدى بعضهم تحليلا خرافيا مموجا بنوع من الادعاء المعرفي الديني فكم من إمام خطب حول الكوارث فربط بينها والعقاب الإلهي وكم من إمام أكّد للناس أنّ ما يحلّ بنا هو غضب الربّ من ردّة الرهط الذي أنتج «تقرير بشرى» وأباح المحرمات وهنا حق التساؤل عن دور وزارة الشؤون الدينية زمن الكوارث؟ ودور «رجل الدين» في مثل هذا السياق؟

تعلّمنا إدارة الأزمات أنّ البعد السياسي ليس إلاّ جزءا من كلّ فليس السياسي وحده مسؤولا عن التعامل مع الكوارث والبنية التحتية والفساد و...وليست المؤسسات الأمنية وغيرها المتحملة لعبء الحماية بل علينا أن نفكّر معا في الوقاية وأن نعمل من أجل ضمان حق العيش بأمان في بلد تتربّص به المشاكل والمخاطر من كلّ صوب...فلنعمل بصمت علنا ننقذ ما يمكن أن ننقذه وكفى ولولة وندبا وإدانة للآخرين ....فالآخر هو الجحيم ونحن الملائكة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115