Print this page

نحو إستقطاب ثنائي في ممارسة السلطة : منعرج «الدرويكا»؟

بعد تجربة «الترويكا» التي خلّفت أوضاعا متردية لم تتمكّن تونس إلى اليوم من تجاوز تبعاتها، عرفت الجمهورية الثانية تجربة الممارسة الرباعية للسلطة، التي يبدو أنها بدأت تتصدّع.

في التجربتين لعبت النهضة دور البطولة بلا منازع ، فقادت الثلاثي وسيّرته حسب مشيئتها، واستفادت من ذلك باحتلال مواقع هامة في مختلف هياكل الدولة لم تغادر الكثير منها. ثم واصلت ممارسة نفوذها داخل الرّباعي بأكثر أريحية باعتبارها في مأمن من المحاسبة المباشرة و جعل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة بمثابة الواقي من الصدمات بالنسبة لها.

هذا الرّباعي الذي تصدّره حزب نداء تونس بأغلبية غير مريحة وتلته حركة النهضة والتحق بهما الحزب الوطني الحر وحزب آفاق تونس بأغلبية تكميلية، ضمنت منح ثقة البرلمان لحكومة الحبيب الصيد وتمرير بعض القوانين الأساسية.
هذه الثقة تأسّست على حصول الوفاق حول شخصية الحبيب الصيد المخضرمة، و لم تنحل تماما رغم «الهزات» التي تخللّت فترة الحكم الأخيرة، بل تبدو اليوم أكثر ثباتا، بسبب خشية حزبي النداء والنهضة من عدم ضمان أي وفاق لغيره في صورة إقالة هذه الحكومة واقتراح غيرها، وذلك بسبب التغييرات الّتي حصلت في الكتل النيابية.

فتشكيل الكتل تغيّر وأصبحت النهضة في صدارة الأحزاب الستة الأوائل الممثلة في مجلس نواب الشعب والتي حافظت على نفس عدد نوابها 69 الأصليين، ويليها حزب نداء تونس بـ 56 نائبا و يليه كتلة الحرّة المنشقة عن النداء بـ 28 نائبا وكتلة غير المنتمين بـ 17 نائبا والجبهة الشعبية بـ 15 نائبا والاتحاد الوطني الحر 12 نائبا وحزب آفاق تونس 10 نواب.

إذن النهضة «أصبحت الكتلة الأولى في مجلس نواب الشعب» ولكن هذه «الصدارة» لا تخوّل لها الحكم بمفردها كما كان الأمر بالنسبة لحزب نداء تونس، غير أن «تفوّقها المعنوي» على هذا الأخير، يجعلها تطمح إلى مزيد تعزيز مشاركتها في تسيير دواليب الدولة رغم أن لها فيها العديد من الكوادر والإداريين وغيرهم من الأتباع الّتي تستفيد من خدماتهم ومواقعهم والتي تبقى لها قوّة فاعلة في الاستحقاقات الانتخابية.

من هذا المنطلق يلاحظ المتابعون أن تأثير النهضة في الشأن العام يتعاظم وهو ما يتداوله أيضا الشارع التونسي بقوله بأن «النهضة تحكم» ملاحظا ـ بإستياء - أن جانبا من الإعلام يساعدها على ذلك، سواء بفتح المنابر أو باختلاق مواضيع ومجادلات تصرف اهتمامات التونسيين وتختلق معارك تكسب منها النهضة.

هذا الرأي بدأ يتأكّد بعد أن برزت في الأيام الأخيرة توجهات تركيز ثنائية في مسك السلطة وخلق منعرج جديد نحو «درويكا» تخضع بقية التشكيلات لمشيئتها وتنفرد بالقرارات مع قبول مبدأ التشاور مع بقية الأحزاب.
فبعد اللقاءين الأخيرين للغنوشي والسبسي وعقد حزبي نداء تونس والنهضة لجلسة عمل ثنائية، بدا أن التوجه الجديد في بداية التشكّل، وهو ما أثار مخاوف بقية الأحزاب الممثلة في الحكومة والبرلمان وغير الممثّلة في هذا الأخير على حد سواء.
النية في اختيار هذا التمشّي لم تـعد في من قبيل التخمين بعد أن تمّ الإعلام عن نية عرض مشروع المصالحة الإقتصادية، الّذي لم يعد مرفوضا من النهضة، التي يبدو أنها قايضت قبوله، بقبول عرض مشروعها الجديد «العفو الوطني العام» كما جاء على لسان زعيم النهضة راشد الغنوشي، وتمّ تداوله من بعض قياديي الحزبين.

لقد تمّ التلويح بالإقدام على اعتماد قيادة ثنائية أو مزدوجة، لوقف «مشاغبة» بقية التتشكيلات الحزبية، ولإبراز لغة حزم جديدة، لمجابهة المرحلة المقبلة في محاولة لوقف التدهور.

ولكن هل ستعطي لغة «الحزم» مفعولها لتهدئة الإحتقان الإجتماعي في بعض الجهات ؟ وهل ستُدفع كل الأطراف السياسية والإجتماعية لمراجعة حساباتها لتجنب الإستقطاب الثنائي، ومنع إرساء شكل جديد في أسلوب الحكم يتداول فيه حزبان قويان على السلطة ؟ أم هل أن الأمور ستسير على عكس ما تمّ التخطيط له، وتدخل تونس في دوامة جديدة من الإحتقان وفي مزيد من التدهور؟ أم هل سيحصل التعديل ويقع التوصّل إلى البديل؟
الأسابيع القادمة هي الكفيلة بالجواب على كل هذه التسؤلات.

المشاركة في هذا المقال