بعد إعلانه القطيعة مع النهضة ونهاية شرعية الشاهد والانتصار لنجله: ماذا يريد الباجي قائد السبسي ؟

لم يفاجئ حوار رئيس الدولة في مضمونه جلّ المتابعين للحياة السياسية إذ كل المواقف التي تم التعبير عنها تتداول

منذ عدة أسابيع في عالمي السياسة والإعلام ولكن الجديد والهام هو الإفصاح العلني عما كان يهمس به أو يتناول باعتباره تحاليل إعلامية وسياسية ليس إلا ..

اليوم أصبح واضحا أن رئيس الدولة قد انتصر لنجله بصفة دائمة ونهائية وانه سيسنده مهما كان حجم الاحتجاج عليه داخل الحزب الذي أسسه سنة 2012 ورئيس الدولة يعتبر بوضوح أن سبب أزمة البلاد هي حكومة يوسف الشاهد وانه يأسف لعدم قدرته على عزله وبما أن حركة النهضة قد عبرت عن عدم استعدادها للتصويت ضد الحكومة فقد قطع العلاقة معها موحيا بأن الحركة الإسلامية هي سبب إنهاء التوافق بين «الشيخين» الذي انطلق يوم 15 أوت 2013 وانتهى بعد خمس سنوات وشهر ..
ولكن السؤال الذي لا نجد له جوابا هو ما الذي ينوي رئيس الدولة فعله بعد كل هذا ؟

لا يمكن أن نتصور أن الباجي قائد السبسي يعلن على رؤوس الملأ تفاقم الأزمة السياسية واستحالة إيجاد حل لها وعن انشطار رأسي السلطة التنفيذية دون أن يكون لديه مخطط لما بقي من عهدته الانتخابية او على الاقل بعض الخيوط والحلول التي فضل الاحتفاظ بها لنفسه ..إذ لولا ذاك لكان العبث المطلق ..
نرجح، بكل الحذر الواجب في مثل هذه الحالات ، أن رئيس الدولة أراد تأزيم الأزمة لكي يتمكن انطلاقا من ذلك من محاولة إدارتها بشكل مختلف ..

يبدو أن احد الهواجس الرئيسية لصاحب قرطاج كان حماية نجله وعائلته من جملة التهم التي تلاحقهما وانه قرر أن يقود هو بنفسه الحرب على يوسف الشاهد بعد أن فشل في ذلك قائد السبسي الابن ، المدير التنفيذي لنداء تونس ..

كيف ذلك ؟ بدءا بالقول لكل الندائيين والمتعاطفين مع النداء بأن من يقف في صف يوسف الشاهد أو من تحدثه نفسه بذلك فهو ليس ضد حافظ قائد السبسي أو ضد مسار «التوريث الديمقراطي» بل هو ضد رئيس الدولة ذاته وان الاحتماء بالرئيس للتهجم على نجله لم يعد ممكنا.. من هنا فصاعدا من يتجرأ على حافظ قائد السبسي فهو يتجرأ على رئيس الدولة ذاته ..

والخطة الرئاسية واضحة : محاولة وقف نزيف النداء ما أمكن والقضاء على هذا الفضاء السياسي الجديد المتمثل في مناهضة حافظ قائد السبسي مع الوفاء للرئيس المؤسس للنداء .. فالوفاء للباجي سيعني من هنا فصاعدا تأييدا، ولو جزئيا ، لنجله حافظ ..
وهذا التموقع الجديد لرئيس الدولة يفرض عليه خوض المعارك السياسية القادمة بنفسه وبقدر ما تسمح له به وضعيته الدستورية والصحية ..

ويبقى أن نرى في الأيام والأسابيع القادمة مدى تفاعل الإطارات الندائية وطنيا وجهويا مع هذا التموقع السياسي الجديد البيّن والواضح لرئيس الدولة. وقد يكون في تخطيط رئيس الدولة إقناع نجله بتقديم بعض التنازلات لا لخصومه بل في إطار ترميم ما بقي من النداء حتى لا يكون فقط حزب الأب والابن بل حزب الأب ومجموعة من الأبناء ..
لعل الأساسي في الخطة الرئاسية القادمة هو السعي لإيقاف موسم الهجرة إلى الشاهد واثبات وجود النداء كحزب قادر على التجميع باعتباره الحزب الوسطي الوحيد المخاصم للحركة الإسلامية بينما تكون الحركة «المنافسة» التي قد يبعثها يوسف الشاهد حركة حليفة للنهضة ومدينة لها حتى بوجودها ما دامت النهضة قد أنقذت رأس الشاهد عندما كان دون سند كلي أو جزئي من حزبه .

وهنا لا نستبعد أن يستعمل رئيس الدولة مشروع المساواة في الميراث الذي وعد به لإحراج الكتلة الجديدة المساندة للشاهد فإن هي صوتت مع المشروع كان هو زعيم الحداثيين وإن هي تلكأت في ذلك تكون الحليفة الايديولوجية للإسلام السياسي.. ولكن حتى هذه الورقة مشكوك فيها باعتبار المواقف المعلنة لجل أعضاء هذه الكتلة الجديدة..
مراهنات الباجي قائد السبسي معقدة فيما تبقى له من عهدة انتخابية فهي تفترض نجاحه في زمن قصير في محاولة قلب موازين قوى لم تعد اليوم مطلقا لفائدته : حزب ينهار من يوم الى آخر ومشروع بديل بصدد التكون رغم إرادته بل وعلى حسابه وحركة إسلامية أقوى واصلب من أي وقت مضى..

ولكن الباجي قائد السبسي يعلم قبل غيره أن كل هذه الحروب مجتمعة تحتاج إلى تخطيط محكم وقيادة لا يتنازع حولها وهو يعلم أن حزبه الحالي لا يتوفر لا على به هذه الخطة ولا على الزعامة القيادية القادرة على إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، فهل سيدفع هذا به الذهاب إلى النهاية ، أي إلى إعلان ترشحه لولاية ثانية في أمل استعادة ملحمة 2014 ؟ !
سياقات كثيرة قد تغيرت والنداء لم يعد هو النداء والباجي قائد السبسي يدفع لا فقط ثمن السنين ولكن أيضا ثمن الأخطاء وخيبات الأمل..

والسؤال اليوم هو هل يذهب الباجي قائد السبسي إلى النهاية ويخوض معركة جديدة النصر فيها غير مضمون ، آم يدرك ان تحول الموازين والمزاجات والانتظارات يستوجب منه الإقرار بسنة تداول الأجيال لا فقط الأحزاب ؟
هل سيعمد الباجي قائد السبسي إلى خطة طارق بن زياد في فتح الأندلس؟ ولكن بعد حرق كل سفنه هل سيتمكن من قيادة أتباعه نحو النصر؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115