يوسف الشاهد في تقديم التوجهات الكبرى لمشروع قانون المالية لسنة 2019: خطاب هجومي لميزانية تريد أن تكون شعبية

• ميزانية بحوالي 40.5 مليار دينار
• تداين في حدود %70
• 8.3 مليار دينار كحاجيات للاقتراض


دخلنا منذ البارحة في المرحلة الأخيرة من إعداد مشروعي قانون المالية والميزانية. ويبدو أن الحكومة قد أرادت هذه السنة إضفاء صفة مشهدية على التشاركية في إعداد هذين المشروعين بتنظيمها يوم أمس ندوة حول التوجهات الكبرى لمشروع قانون المالية (2019). ندوة قاطعتها المنظمة الشغيلة لأنها لم تتلق الدعوة بصفة مبكرة ولم توفر لها الحكومة المعطيات المرقمة الكافية لتستعد لها المركزية النقابية..
في ندوة يوم أمس حضر السياسي (خطاب رئيس الحكومة ) والتقني (كلمات الوزراء والورشات الفنية ) كما حضر طيف واسع من ممثلي الأحزاب والمنظمات وخبراء الاقتصاد .
نحن بلا شك أمام احد أهم الاختبارات المتبقية لحكومة الشاهد وأمام منعرج كذلك في النقاش السياسي أيضا إذ سيحتل موضوع مشروع قانون المالية واجهة الأحداث وقد يخفف ذلك من حدة مطالبة بعض الأطراف برحيل الحكومة أو لنقل بأن هذه الأصوات لن تكون مسموعة بالدرجة الكافية في هذه الفترة
بالذات ..

خطاب الشاهد كان سياسيا وهجوميا ويتلخص في كلمة واحدة: لولا التشويش السياسي على عمل الحكومة ( أي المطالبة بإسقاطها ) لكانت النتائج الاقتصادية والاجتماعية أفضل بكثير ولتمكنت البلاد من الولوج الفعلي لزمن الإصلاحات الجدية .. ولكن رغم كل ذلك فقد حققت هذه الحكومة نتائج ايجابية ، حسب صاحب القصبة، والأهم أنه لن يرمي المنديل ولن يكترث بدعاة «التشويش» سواء كانوا من حزبه أو من خارجه..

وبعد ذكره لبعض الأرقام الايجابية في سنة 2018 والمتعلقة أساسا بالسياحة والاستثمار الخارجي، مع التلميح بأن ما كان سلبيا إنما مأتاه هو فقدان الدعم السياسي للحكومة، تعرض الشاهد إلى الفلسفة العامة التي سيقوم عليها قانون المالية الجديد :
• لا وجود لضرائب جديدة
• تخفيف العبء الجبائي على المؤسسة
• تحفيز الاستثمار وخلق مواطن الشغل
• تدعيم القدرة الشرائية للفئات الهشة وللطبقة الوسطى
• تخفيض الضرائب على السيارات الشعبية (4 خيول ) بما سيجعل بعضها ينزل تحت سقف 20 ألف دينار

أي في المحصلة يريد رئيس الحكومة أن يقول بأن زمن السنوات العجاف قد ولى وانتهى ، فمع سنة 2019 سيبدأ الإقلاع الاقتصادي الفعلي وذلك بتحقيقنا نسبة نمو في حدود %3.5 وهذا إن حصل فستكون الأفضل منذ 2012 كما انه سيتم التحكم في المديونية وعجز الميزانية دون أعباء جبائية جديدة بل وبالتخفيض فيها خاصة بالنسبة للمؤسسة الاقتصادية (قد تراجع الضريبة على الشركات من %25 حاليا إلى %20 أو حتى دون ذلك وفق احد السيناريوهات المدروسة اليوم).

ولكن السؤال الهام اليوم هل نحن أمام ميزانية جدية ، أي أمام فرضيات قابلة كلها للتحقيق، أم أمام بعض الهدايا الجبائية لأهداف انتخابية ثم نستفيق في نهاية 2019 على عجز غير متوقع؟

المعطيات المتوفرة لدينا الآن تفيد ما يلي: سيكون الحجم الإجمالي لميزانية 2019 في حدود 40.5 مليار دينار مع حاجيات للاقتراض دون 8.5 مليار دينار أي أن موارد الدولة (الجبائية وغير الجبائية) ستكون في حدود 32 مليار دينار!!

والإشكال ، كلّ الإشكال ، هو في هذا الرقم الأخير : هل سنتمكن من تحقيقه او حتى الاقتراب منه كثيرا أم لا ؟ للمقارنة نقول بأن مداخيل الدولة (الجبائية وغير الجبائية ) المبرمجة في قانون المالية لسنة 2018 كانت في حدود 26.4 مليار دينار ونعلم أن هنالك جهودا كبيرة تبذل للاستخلاص حتى نقترب هذه السنة من تحقيق هذا الرقم ولكن هل سنتمكن من تحسينه بـ%20 للسنة القادمة ؟ هذا هو السؤال الأساسي.

لاشك ان فرضية تحسن نسبة النمو بحوالي النقطة مقارنة بهذه السنة من شانه أن يوفر موارد إضافية للدولة، ولاشك أيضا أن تخفيضا مهما من نسبة الأداء على الشركات من شأنه تشجيع جزء من الاقتصاد غير المنظم على الانخراط في المنظومة الجبائية ولكن نعلم أن تحولات بمثل هذه الأهمية لا تؤتي أكلها ماليا لخزينة الدولة الا بعد بعض السنوات.. ولكن في كل الأحوال نحن أمام فرضية قابلة للتحقيق..

هنالك مسألة أخرى هامة جدا نتمنى ان يتم نقاشها بعقلانية ودون توتر إضافي وهي تغيير فلسفة الدعم وتحويله من دعم المنتجات إلى دعم العائلات المستحقة له وهذا قد يوفر ، نظريا على الأقل ، حوالي 700 مليون دينار. بعبارة أخرى ستتحرر أسعار كل المواد الغذائية المدعومة اليوم مقابل توجيه مبالغ مالية مرادفة لهذا الفارق للعائلات المستحقة لهذا الدعم ، والإشكال هنا هو أين نضع الحاجز بين العائلات المستوجبة لهذا الدعم وغيرها؟ وهل سنعتمد فقط على تصريح المواطنين أم على إثبات حقيقي لحجم مداخيلهم ؟ وكيف سنثبت هذا بالنسبة لغير الأجراء ؟ ثم ألا نخشى من ترفيع هام في اسعار المواد الغذائية يؤدي حتما إلى موجة جديدة من التضخم ومن ارتفاع كل أسعار المواد الغذائية حتى تلك غير المدعمة؟ !

أسئلة عديدة ينبغي أن نجيب عنها قبل الإقدام على إصلاح بمثل هذا الحجم .ويبقى السؤال في النهاية هل سنناقش كل فرضيات وتوجهات مشروع قانون المالية بصفة جدية وعقلانية وفق ما يفيد اقتصاد البلاد ويؤهله للتعافي والنمو أم وفق الخلفيات السياسية لمختلف الفرقاء ، حيث يغيب الحوار ويحضر الاصطفاف السياسي الأعمى ؟!
الأيام القادمة ستعطينا بداية الإجابة عن كل هذه الأسئلة ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115