Print this page

على هامش المواقف من حكومة الشاهد أي ديمقراطية هذه ؟

يسلّم الجميع بأن تونس إزاء «ديمقراطية ناشئة» وذلك لتبرير بعض الزلات والأخطاء البسيطة وللتنبيه

إلى هشاشة الوضع العام وإلى عدم ترسّخ المنهج الديمقراطي، وللتذكير بأن نخبها بصدد التعلّم والتمرّن على تطبيق طريقة جديدة في الحكم و في تنظيم العلاقات بين الحاكم والمحكوم من جهة، وبين المحكومين فيما بينهم ،وكل ذلك بهدي من الدستور و بقية التشريعات المنظمة للحياة السياسية والعامّة.

ولكن ما تعيشه تونس اليوم بخصوص معالجة الأوضاع السياسية ،لا ينجم عن هفوات أو زلات في المسيرة، و إنّما عن عدم هضم للديمقراطية وعن عدم التسليم بصحّة آلياتها، وأيضا عن انخرام التنظيم السياسي الهجين وخاصّة في النظام الانتخابي ،الأمر الّذي جعل مواقف أحزاب و فاعلين في سلطة القرارغير مركّزة ،و مزاجية و طفولية في غالب الأحيان.
فالأداء السياسي للحكومة الّتي تشكّلت على أساس اقتسام النفوذ ، وأداء الوزراء لا يخضع لتقييم و محاسبة على أساس برامج سابقة الوضع و ذات أهداف محدّدة ، و إنّما على أهواء واعتبارات مبهمة أحيانا، وعلى محاسبة لعدم تطبيق أولويات فضفاضة مصاغة ضمن وثائق توافقية تسمية ً، وتسويفية حقيقةً.
فنجد خارج الأولويات استكمال الهياكل الدستورية ووضع التشريعات المعلّقة أو المعطّلة، والتهرب من الخوض ولو قولا، في بعض ما نص عليه الدستور مثل خيار تقسيم الأقاليم ، وهو منزلق قد تكون أدركت أغلب الأحزاب خطورته في دولة ذات هشاشة هيكلية .

كما تعلو الأصوات لتغيير رئيس الحكومة ليس بالاستناد إلى تقييم موضوعي مفصل للأداء، وليس لمحاسبته على أخطائه، ولكن استجابة لرغبة طارئة لهذا الطرف أو ذاك. وقد سبق أن حصل هذا للسيد الحبيب الصيد ويحصل اليوم للسيد يوسف الشاهد.
وما قلناه بخصوص الأول نقوله بخصوص الثاني ، رغم الفارق في الأداء و رغم الاختلاف في تقييم حصيلة الحكومتين باعتبار أن الشاهد ارتكب العديد من الأخطاء و كان وراء بعض الأزمات والإشكاليات الناجمة عن نقص في الخبرة والتسرّع وغياب الكفاءة في تناول العديد من الملفات.
لكن هل من أحكام الديمقراطية ومقتضياتها أن نربط مواصلة الشاهد رئاسة الحكومة ، بتعهدّه بعدم الترشح - هو و أعضاء حكومته لاستحقاقات انتخابية - تلي نهاية فترة حكومته مباشرة ؟

الجواب قطعا ،أنه ليس من التقاليد الديمقراطية ولا من أحكام الدستور و القانون الانتخابي وضع شرط من هذا القبيل . بل إن التمسك بهذا الشرط، يعني أن الموقف من أداء الشاهد و حكومة لا ينبني على تقييم سلبي ، وإنما يكمن في خيار غض الطرف عن تقصير أو سوء إدارة أو سوء تصرّف، مقابل الحصول على تعهدّ –بالكلمة - وهو غير ملزم في كل الأحوال، أي أن عدم التقيّد به لا ينجم ُ عنه أي أثر .و ذلك يعني أيضا ، أن الغاية من التمسك ببقاء الشاهد على رأس الحكومة ، ليست لتحقيق الاستقرار السياسي، وإنما الغاية،استبعاد منافسين أو خصوم سياسيين محتملين من حلبة الاستحقاقات الانتخابية القادمة دون أي مبرر قانوني.
ولكن رغم هذا يتمسك حزب النهضة بموقف البقاء المشروط،و يلتقي مع نفس المواقف الداّعية لاستبعاد ، الشاهد ولو بصيغ التوافق المستحدثة، دون اعتماد الآليات الديمقراطية والقانونية المتاحة .

وهل من الديمقراطية أن تُنشأ الأحزاب وتُسيّر حسب الأهواء ، رغم أنها منظمة بقانون و بقوانين داخلية وملزمة باحترام الثوابت ؟
الجواب القطعي يكون بالنفي، لأن القانون ينطبق على الجميع دون أي تمييز،و أنه لا مكان لأحزاب لا تعترف بدستور الدولة ولا تحترم مقتضيات تنظيمها من حيث التمويل وشفافية معاملاتها ورقابة تصرفاتها المالية. كما أن التنظيم السياسي السليم يقتضي تطبيق الدستور والقانون الانتخابي على هناته، بخصوص ممارسة السلطة طبق نتائج الانتخابات ، احتراما لإرادة الناخب في الاختيار والتزاما بتطبيق برنامج الحزب الفائز .

وهل من المعارضة الديمقراطية، الاكتفاء ببناء المواقف على أخطاء الخصوم والمنافسين السياسيين وترصّد الأخطاء والصراخ «إلى السارق» عندما يحدث المحظور؟
ليس هذا هو دور المعارضة الديمقراطية، إذ هي تبقى دائما داخل دوائر الفعل السياسي ، ولها برامجها و خبراؤها ،و مطالبة بتقديم مقترحاتها وعرضها على الرأي العام لتكسب من يقاسمها الرأي و من يؤيدّ تمشيها ، فيتحرك سلميا ليساهم في حصد التأييد للرأي المخالف ونتائج ذلك انتخابيا .لم يعد هناك مجال للتقسيم التقليدي للتوجهات بين يمين و يسار، وإنمّا المعيار الحقيقي ، هو تبني قيم الديمقراطية ودولة القانون والمؤسّسات و التقدّم الاجتماعي و هي قواسم تتقاطع مع التحجّر والانغلاق والتقهقر، وهي ترمي إلى تحقيق النهوض الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والرفاهة لعموم المواطنين في كنف الحرية والمساواة.

هذا غيض من فيض ، و لو سبرنا مختلف التطبيقات المستحدثة في التعامل الديمقراطي طبق مقومات دولة القانون والمؤسّسات، سواء كان ذلك داخل الأحزاب أو في الإعلام أو في تطبيق القانون و الاتفاقيات الدولية بخصوص مقاومة الفساد والرشوة في القطاعين العام و الخاص ، و بخصوص الحوكمة الرشيدة و تطبيق مخرجات العدالة الانتقالية و استقلال القضاء، لو تناولنا كل التفاصيل عمّا تقدّم ، لوقفنا على أن الأحزاب والنخب السياسية تأخذ من كل شيء بترف، وتعمل على تطويع كل القوانين حسب مصالحها ورغباتها وأحيانا حسب أهوائها ، وأن مقتضيات الديمقراطية في وادي و تطبيقاتها و مساعي القائلين بها في وادي آخر.

المشاركة في هذا المقال