Print this page

أحوال القضاء ليست على ما يُرام

كشفت التجربة أن النصوص القانونية «الجميلة» لا تكفي لتكريس شعارات إستقلال القضاء وعدالته و إعلاء كلمة القانون وقيم الحق والعدل و الإنصاف ، لأن إقرار

المبادئ لا يكفي لوحده بل إن الأمر يحتاج إلى آليات قضائية ناجعة و إرادة جادة في تحويل الشعارات إلى ممارسة فعلية.
فلا يكفي أن يقر الفصل 102 من الدستور بأن «القضاء سلطة مستقلّة تضمن إقامة العدل، وعلوية الدستور، و سيادة القانون و حماية الحقوق والحريات ... و أن القاضي مستقل لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون» ، لنسلّم بحصول الإصلاح المنشود ، بل لا بد من توفر مستلزمات تكريس هذه المبادئ من بنية أساسية و زاد بشري و قدرات ذاتية و إرادة قوية، و قوى اجتماعية دافعة و محصّنة للخيارات الدستورية .

و لكن ما يلاحظه المتابع أن أوضاع القضاء ليست على ما يُرام ، رغم تركيز مجلس أعلى للقضاء منتخب و ذات تركيبة واسعة لا يؤثّر غير القضاة على قراراته للأغلبية المريحة الّتي يتمتعون بها .
هذا المجلس كان مطلبا مركزيا للقضاة وحرصوا على أن يكون قائما طبق المعايير الدولية ، وأُعتبر مفتاح إستقلال القضاء وتحرّره، ولكن «جرت الرياح بما لم تشته السفن»، فتباينت التصورات والأفكار في العمل ،و قامت عراقيل لم تكن في الحسبان ، وظهرت مراكز قوى ، جعلت مسيرته محفوفة بالمصاعب ، إلى درجة أن جانبا من القضاة ،عبّروا عن عدم رضائهم على الأداء.بل اعتبره السيد أنس الحمادي رئيس الجمعية التونسية للقضاة ،ماضيا في اتجاه «سياسة الانغلاق والاقصاء وضرب المبادئ الّتي كرّسها الدستور التونسي» و ذلك في ندوة صحفية في جوان الماضي ، أكّد فيها على ضرورة أن يضطلع المجلس بدوره في ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله في نطاق مبادئ الحوكمة والشفافية.
ومرّة أخرى و ككل عام يثور الجدل عن الحركة القضائية ،و يقف المتابع على أن نسق التغيير بطيء وأن الأداء لم يتحسّن كما كان ينتظره المتقاضون. و رغم أن الدستور جعل المحامين مشاركين في إقامة العدل و أصبحوا ممثلين في المجلس الأعلى للقضاء ، فإن ذلك لم يضف أي جديد على مرفق العدالة و لا على دور الدّفاع ، بل أن هذا الأخير انساق هو الآخر إلى التقوقع والجري وراء الشأن اليومي.
لقد اجتمعت كل العناصر السلبية لتصبح الخدمات القضائية في حالة متدنية، بحيث بداية من شهر أفريل من كل عام أصبحت القضايا تؤجّل لشهري أكتوبر و نوفمبر في محاكم تونس ويتجاوز الأجل ذلك في بعض المحاكم داخل الجمهورية.
والأمر ليس على أحسن حال بالنسبة للمحكمة الدستورية ، الّتي كانت مطلب الأجيال و تعد في هرم القضاء ولكن لم تولد بعد وبقيت محل تجاذب رغم محاولة زحزحة الحل في أعلى هرم السلطة.
الجميع يقرّ بأن العدل أساس العمران ، ولكن تغيب الإرادة كلما وجدت محاولة لإزالة الصدأ من آلة القضاء الضخمة ، الّتي لن يستقيم حال البلاد ما لم تستقم هذه الآلية الّتي تتطلّع كل الفئات إلى تكون محايدة و نافذة و ضامنة للحقوق و تطبيق القانون.
إن كل المجهودات لإصلاح وضعية الحريات وإقرار المساواة ومقاومة الفساد و مختلف الأمراض الإجتماعية و الإقتصادية و حتى السياسية ، وتخليص آليات المحاسبة و الرقابة من مختلف الكوابح ، ستذهب سدى ما لم يصلح شأن القضاء .
و المؤسف أن المعنيين المباشرين بالشأن القضائي و بتطبيق القانون و بإحترام الحريات وضمان الحقوق يغطون في نوم عميق، يتحركون في بعض المناسبات الّتي تُمسّ فيها مصالحهم الضيقّة ، فإلى متى انتظار الصحوة؟؟

المشاركة في هذا المقال