بعد هجومه المدوي على حافظ قائد السبسي: هل أنقذ يوسف الشاهد رأسه ؟

بعد مرور ثلاثة أيام على الهجوم الصاروخي لرئيس الحكومة على غريمه حافظ قائد السبسي نجل رئيس الجمهورية والمدير التنفيذي لنداء تونس

تعيش تونس السياسية على وقع هدوء ظاهر ولكنه قلق.. إذ لا وجود لأية ردة فعل رسمية لا من قيادة نداء تونس ولا من رئاسة الجمهورية ولا حتى من أهم الأطراف المجتمعة حول وثيقة قرطاج 2..وكأن البلاد ما بين قوسين من الزمن ..

ولكن نعلم جميعا بأننا أمام الهدوء الذي يسبق العاصفة وأن السكوت البادي على أهم أطراف النزاع إنما يخفي تحركات في كل الاتجاهات إما لإنقاذ الرأس عند اندلاع العاصفة أو لإسداء الضربة القاضية للخصم حينها ..

هل غيّرت كلمة يوسف الشاهد المعادلة ؟
سؤال تصعب الإجابة عنه ولكن ورغم الوقع المدوي لكلمات رئيس الحكومة إلا أن المعادلات السياسية القوية لا تتغير فقط بوقع الكلمات ولكن بالأوزان والمصالح وشبكات النفوذ ..

صحيح أن كلمات الشاهد قد حررت بعض الألسن داخل حزبه وخارجه وأن بعض المبادرات قد تنشأ بالاعتماد عليها ولكن بعد هذا الهجوم الأول لم يعد يوسف الشاهد متحكما في الزمن السياسي ولا حتى في زمن المنافسة بينه وبين نجل رئيس الجمهورية ففي كل فنون الصراع تكون عادة الضربة الأولى ممهدة لاضطراب المنافس ولتعرية دفاعاته أمام ضربة ثانية يظن أنها ستكون حاسمة .. ولكن لو ظلت دفاعات المنافس متماسكة تكون الضربة الثانية مغامرة غير محسوبة العواقب لأنها قد تكون مناسبة لردة فعل غير متوقعة..

نحن في حالة شبيهة بهذه ..
فهجوم يوسف الشاهد وإن جلب له بعض التعاطف داخل العائلة الندائية وخارجها إلا أنه كشف خطته كذلك واليوم الكل ينتظر خطواته القادمة وهل أنه قادر على الإيفاء بالتعهدات التي قطعها على نفسه خلال تلك الدقائق الإحدى عشرة والتي شنّ فيها هجومه المباغت ضد حافظ قائد السبسي ..
أول هذه التعهدات وأهمها هو إنفاذ الإصلاحات الثلاثة التي تحدث عنها وهي الصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية وكتلة الأجور ..

ولعل إصلاح الصناديق الاجتماعية هو العملية الأسهل لأن عناصر الاتفاق فيها مع اتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة كثيرة وخاصة مسألة الترفيع بسنتين في سن الخروج إلى التقاعد والترفيع كذلك في المساهمات الاجتماعية بنقطة وحيدة للأجراء وبنقطتين للمؤجر لاسيما في القطاع العام في انتظار الاتفاق حول هذه النقطة الخلافية في القطاع الخاص ..

حكومة يوسف الشاهد مضطرة للإسراع في نسق انجاز ما وعدت به لأن الانتظار سيكون قاتلا لها .. ولكن الملفين الآخرين اللذين أشار اليهما رئيس الحكومة معقدان للغاية وهما اصلاح المؤسسات العمومية أي بلغة أوضح التفويت في بعضها والتحكم في كتلة الأجور أي الاقتصار على زيادة دون معدّل التضخم بكثير..
وفي هذين الملفين ستجد الحكومة نفسها أمام خصم عنيد وهو اتحاد الشغل الذي يرفض رفضا قطعيا خوصصة المنشآت العمومية كما أنه لن يرضى بزيادة ضعيفة في أجور الموظفين ..

والإشكال أمام الحكومة مضاعف : فهي مضطرة للتحرك السريع دون إحداث أزمة اجتماعية خانقة مع شريك اجتماعي طالب ، ومازال يطالب ، برحيلها متهما إياها بالفشل الذريع في إدارة شأن البلاد ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى بعض إصلاحاتها هذه تحتاج إلى مصادقة البرلمان عليها أي مصادقة كتلة نداء تونس والتي لم تعبر ، إلى اليوم ، عن فك ارتباطها مع المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي .. أي حيثما تحرك يوسف الشاهد فسيجد أمامه بالضرورة نور الدين الطبوبي في الواجهة الاجتماعية وحافظ قائد السبسي داخل النداء وفي البرلمان ..

ثم إن الزمن محسوب لصاحب القصبة إذ ينبغي له تحقيق شيء يذكر خلال الأيام القليلة القادمة وإلا سيقول كل خصومه بأنه يشتغل فقط على أجندا سياسية شخصية وأن الإصلاحات الموعودة منذ أكثر من سنة إن هي إلا من قبيل ترصيف الكلمات لا غير ..

وبجانب الإصلاحات فقد وعد يوسف الشاهد خلال تلك الدقائق الإحدى عشرة بإجراء تعديل حكومي هام وهنا كذلك قد التزم بأمر سيكون تحقيقه السريع محفوفا بالمخاطر .. فهل يستطيع يوسف الشاهد إقالة أحد وزراء النهضة والحال أن الحركة الإسلامية هي من أنقذ رأسه في وثيقة قرطاج 2؟ وهل بإمكانه التقليص من حجم النداء في حكومته ثم يطالب كتلة حزبه بتزكية اختياره ؟ وهل يستطيع يوسف الشاهد بعد كل ما حصل خلال هذه الأسابيع الأخيرة أن يجري تحويرا وزاريا لا يقدم فيه بعض التنازلات لحزبه من صنف التخلي عن أسماء تلعن صباحا مساء في البحيرة (المقر المركزي لنداء تونس)؟

يبدو يوسف الشاهد وكأنه أمام حقل ألغام ولكنه مضطر لاجتيازه لأن التوقف سيكون مرادفا للعجز .. كما أننا لا نعلم إلى اليوم هل أن رئيس الدولة سيعلن بوضوح عن مساندته لرئيس الحكومة أم سينتظر بدوره مآلات المشاورات السياسية فوق الطاولة وتحتها . وتأخر المساندة القوية للباجي قائد السبسي سيضعف حتما يوسف الشاهد ..

نحن نتحدث عن يوسف الشاهد كرئيس حكومة أما لو اختار (أو أُكْرِه على ) مغادرة القصبة فعندها ستكون ساحة الحرب وأسلحتها مختلفة.

فعلا إنه الهدوء الظاهر الذي يسبق العاصفة ...
والسؤال يتعلق بمعرفة من سيكون قادرا على الصمود حينها ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115