في عيد الشغالين وعلى هامش المفاوضات الاجتماعية: حسابات الربح والخسارة بين الحكومة والاتحاد

عيد الشغل هذه المرة جاء بمذاق خاص للمنظمة الشغيلة:

أزمة مفتوحة مع الحكومة والسعي لتطويق الأزمة الداخلية الناجمة عن محاولة تمرّد الجامعة العامة للتعليم الثانوي وبدء مفاوضات اجتماعية في القطاعين العام والخاص وكل ذلك ونحن على مشارف أيام معدودات من أول انتخابات بلدية ديمقراطية في تاريخ البلاد..
من كان يشك في القدرة التعبوية لاتحاد الشغل فقد جاء الاجتماع النقابي الضخم الذي أشرف عليه الأمين العام للمنظمة نور الدين الطبوبي بقاعة الرياضة بالمنزه ليؤكد فعلا أن الاتحاد يبقى القوة الأولى في البلاد..

لقد ظهر الاتحاد يوم أمس موحد الصفوف والأجيال واللقطة الثلاثية التي أظهرت نور الدين الطبوبي محاطا بالأمينين العامين السابقين حسين العباسي وعبد السلام جراد أقوى دليل على ذلك.. ولكن كان واضحا كذلك أن الأزمة التي فجرتها الجامعة العامة للتعليم الثانوي كانت تخيم على هذه المشهدية الاحتفالية.. ولئن لم يكن هنالك نقاش حول قوة الاتحاد ولكن النقاش قائم داخل المنظمة وخارجها حول استراتيجية هذه القوة وكيف يتم توظيفها في خدمة الشغالين والبلاد في آن واحد..

يجد اليوم اتحاد الشغل نفسه على أكثر من واجهة.. واجهته التقليدية في المفاوضات الاجتماعية في القطاعين العام والخاص وواجهة مستجدة إلى حد ما وتتمثل في مشاركته في مشاورات ما يعرف بـ«وثيقة قرطاج 2» والتي ستفضي إلى حزمة جديدة من الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بمخرجات سياسية لم تتضح بعد..
يدرك الاتحاد أكثر من غيره الترابط الوثيق بين كل هذه الواجهات كما يدرك ولاشك احراجات هذه الواجهات وأن تحقيق نقاط هامة في احداها قد يكلفه كثيرا في غيرها..

منذ أن بدأ مسار «وثيقة قرطاج 2» بدفع قوي من اتحاد الشغل وحليفه الظرفي فيها اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بات من الواضح بأننا أمام مسار سوف يؤدي ضرورة إلى تغيير هام في السياسات العمومية وفي الفريق الذي سينفذها.. وتشير كل المعطيات إلى أن الأمر أصبح وشيكا وأن جلّ الفرقاء ينتظرون فقط الإعلان عن نتائج الانتخابات البلدية بعد حوالي الأسبوع لبداية المشاورات السياسية حول الحكومة الثالثة لهذه العهدة الانتخابية...

ولكن بقدر التقدم في هذا المسار واتضاح مآلاته فإن التعثرات القوية منتظرة ومتوقعة في المفاوضات الاجتماعية في القطاع العام التي تقودها الحكومة الحالية.. حكومة أضحت للبعض تنتمي للماضي.. أي أنها لم تعد تتأثر بالمرة بالقدرة التعطيلية للمنظمةالشغيلة.. حكومة التزمت أمام صندوق النقد الدولي بعدم الزيادة في أجور الموظفين إلا في صورة عودة قوية للنمو..

لو كانت الحكومة الحالية دائمة إلى موفى 2019 لكان للمركزية النقابية أكثر من ورقة ضغط عليها أما اليوم والحال كما وصّفناه فقد أضحت حكومة الشاهد في حل من كل ضغوط طرفي الانتاج الرئيسيين، الشغالين والأعراف..

ولكن في المقابل قد خسرت الحكومة حربها الأساسية وهي اقناع شركائها في الداخل والخارج بقدرتها على قيادة الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية للبلاد.. فما يجري بين الأطراف الممضية على وثيقة قرطاج، والتي كانت حكومة الشاهد أهم مخرجاتها، يدل بوضوح على أن العمر السياسي لهذه الحكومة قد انتهى وأنها اليوم تلعب في «الوقت بدل الضائع» ولكن الاشكال في تونس أن لا أحد يملك لوحده «صفارة» الحكم، و«الوقت بدل الضائع» ليس محددا سلفا وقد يتجاوز في حالاته القصوى، الزمن الأصلي للمباراة!

فنحن أمام لاعبين لا يعلمون، حتى بصفة تقريبية، متى تنتهي المباراة ولا ما هي القواعد المتحكمة في اللعبة في هذا «الوقت بدل الضائع»..

وتتجاوز حسابات الربح والخسارة علاقة المنظمة التقليدية بالحكومة بل تتجاوزها إلى ما أسماه الأمين العام للمركزية النقابية بـ«تطهير» البيت الداخلي ولكن ممّن؟ علنيا من الذين يريدون اختراقه بدافع مباشر أو غير مباشر من السلطة الحالية... ولكن يعلم النقابيون اليوم أن هنالك اشكالا قائما يتمثل في تحديد المباح والمحظور في أشكال الاحتجاج النقابي..
جلّ الاطارات النقابية لم تستسغ عملية حجب الأعداد ولا الاضرابات الادارية السابقة في قطاع التعليم بل لم توافق المركزية على أي من هذه «الأشكال» النضالية بدليل أن أعضاء المكتب التنفيذي المركزي الذين يترأسون وجوبا الهيئات الادارية القطاعية قد رفضوا، في كل مرة الامضاء على هذه القرارات، والسؤال اليوم هل سيسمح لبعض القطاعات باللجوء إلى هذه الأشكال المطلبية المرفوضة من قبل جلّ مكونات المركزية النقابية؟ ثم ما هو الخيط الفاصل بين ما يمكن اعتباره بمطلبية عقلانية مقبولة وتلك المطلبية التي لا يهمها مطلقا الوضع المالي والاقتصادي للبلاد وبين المطالبة والمطالبة لا تعرف إلا المطالبة؟ أسئلة تهمس بها اطارات عدّة ولكن القيادة تفضل، إلى حدّ اليوم، التعامل مع النشاز حالة بحالة حرصا منها على وحدة المنظمة وعلى عدم الضغط المفرط على جامعاتها الأساسية...

نحن أمام اختيارات استراتيجية تتجاوز التكتيك التفاوضي في هذا القطاع أو ذاك وهي اختيارات تفرض على اتحاد الشغل أدوارا جديدة إلى حدّ ما ما دامت المركزيةالنقابية قد أصبحت فاعلا سياسيا أساسيا بالبلاد..
ولكن لا يخفى على أحد أن الانتخابات البلدية القادمة قد تفرز وضعا جديدا يفرض على الجميع اعادة تقييم الأوضاع وترتيبا مغايرا للأوراق..
كل شيء يدل على أن «الوقت بدل الضائع» قد يقلب معطيات كثيرة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115