في تطور جديد لأزمة التعليم الثانوي: الجامعة العامة للتعليم الثانوي تتمرد على الهيئة الادارية للاتحاد

•العودةإلى الدروس اليوم ولكن مع مواصلة حجب الأعداد
كل يوم يأتينا بالجديد في أزمة التعليم الثانوي وآخر هذه المستجدات قرار لقاء الجهات

للجامعة العامة للتعليم الثانوي الملتئم يوم أمس بمقر المركزية النقابية بالعودة إلى الدروس صبيحة اليوم ولكن مع مواصلة حجب الأعداد وذلك في تحدّ صارخ لقرار الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل المنعقدة يوم أول أمس والتي دعت المدرسين إلى استئناف العمل مع تسليم الأعداد ..

واللافت للنظر أن بيان لقاء الجهات لم يشر ولو مرة واحدة إلى اجتماع الهيئة الإدارية الوطنية للمنظمة الشغيلة ولا لقراراتها ولا قدم عذرا أو تعليلا لعدم الاستجابة لقرار رفع حجب الأعداد والذي اتخذته الهيئة الإدارية الوطنية بإجماع شبه كامل لمختلف أعضائها ..

الواضح أننا اليوم أمام أزمة هامة داخل منظمة حشاد إذ لأول مرة في تاريخها يتمرد قطاع بمثل هذه الأهمية على قرارات المركزية النقابية .. وعليه فإن الاجتماع المزمع عقده بين وفد اتحاد الشغل ووفد حكومي للتفاوض في مطالب قطاع التعليم الثانوي لم ينعقد يوم أمس. وفي المقابل علمنا بأن المكتب التنفيذي للمنظمة الشغيلة سينعقد هذا اليوم للنظر في تداعيات هذا «التمرّد» الداخلي وفي كيفية التعامل معه ..

وفي الحقيقة لا يمكن أن نفهم ما هو حاصل اليوم لو لم ندرك بأن هنالك جناحا قصوويا وشعبويا داخل اتحاد الشغل قد عبّر عن نفسه في مناسبات عدة بعد الثورة ولكنه هذه المرّة قد قرر الدخول في مواجهة مع المركزية النقابية لأنه يراها ليّنة أكثر من اللزوم في التعامل مع السلطة التنفيذية ..

ويقوم هذا التيار القصووي الشعبوي على مقاربة بسيطة : نحن أمام حكومات متعاقبة غير شعبية ومتواطئة مع الخارج وخاضعة بالكامل لصناديق «النهب» الدولية وبالتالي فلا يجدي مع هذه الحكومات «العميلة» سوى الضغط إلى الأقصى وافتكاك ما يمكن من المكاسب ..

ونجد هذه القصووية الشعبوية قريبا من تخوم بعض الحركات القومية واليسراوية وهي ثقافة عامة وموقف مشترك أكثر منها التزاما حزبيا مع طرف بعينه ..

وبالطبع فإن جل اساتذة التعليم الثانوي لا يشاطرون هذا التمشي بل هم غير معنيين به ولكن يبدو أن هذا التوجه هو المهيمن ، نقابيا ، على القطاع منذ مدة وهو يحظى اليوم بشعبية لا نقاش فيها لا باعتبار الموقف الفكري والسياسي الذي يعبر عنه بل باعتبار قدرته على تحقيق مكاسب متتالية للقطاع وخاصة منذ سنة 2015..

وهذا التيار القصووي الشعبوي لا نجده فقط في التعليم الثانوي بل وله حضور هام في بعض الهياكل النقابية الأخرى كالتعليم الابتدائي والصحة والنقل وغيرها ولكن السياسة العامة المتبعة من قبل من يمكن حشرهم في هذه الخانة هي عدم الخروج على قرارات المركزية النقابية بل السعي إلى التموقع داخل المنظمة ودفع مواقفها نحو الأقصى دون قطع لشعرة معاوية التي تربطها بالقيادة النقابية ..

ولقد حصلت بعض رغبات التمرد في السنوات الفارطة وكان أهمها ما وقع في قطاعي التعليم الابتدائي والصحة ولكن سرعان ما اعتذر أصحاب هذه التجاوزات وتم تطويق الاختلافات وتمكنت القيادة النقابية ببعض العمليات «الجراحية» من استبعاد العناصر الأكثر فوضوية ..
ولكن اليوم ومع بيان لقاء الجهات للجامعة العامة للتعليم الثانوي أصبح الوضع مختلفا فالتمرد أضحى بيّنا وهنالك نية واضحة لإضعاف موقف الأمين العام نور الدين الطبوبي وطنيا ونقابيا واظهاره في موقف من لا يستطيع فرض النظام داخل المنظمة وان لا سلطة تعلو فوق سلطة القرار داخل الجامعة العامة للتعليم الثانوي حتى وإن كانت سلطة قرار

الهيئة الإدارية الوطنية وبصفة شبه اجماعية ..

نحن هنا أمام تحد جديد للقيادة النقابية فهي ليست إزاء حالة انفلات فردي بل أمام قرار جماعي وفي قطاع حيوي بعدم الانصياع الواضح لقرار مركزي وتغليب القرار القطاعي ومواصلة الالتزام به حتى وان كان ذلك في شكل نصف تراجع تكتيكي بما ان اجتماع الجهات تبنى العودة إلى الدروس ولكن مع مواصلة حجب الأعداد للسداسيين الأول والثاني ..

لا ندري بالضبط ما هي حسابات الأسعد اليعقوبي ورفاقه وكيف ينوون إدارة خلافهم مع المركزية النقابية وهل هم مقبلون على حرب مواقع محدودة تهدف فقط إلى فرض أمر واقع جديد أم أنهم يعتقدون أن لديهم ما يكفي من القوة لشن حرب شاملة ضد الحكومة وضد المركزية النقابية في ذات الوقت ؟

هنالك امتحان أوّلي لاختبار رغبة كل طرف وهو أسبوع العطلة المدرسية الذي يبدأ يوم الاثنين القادم والذي تريد الجامعة العامة أن يكون أسبوعا لتعويض أيام الإضراب على شرط ألا يحصل اقتطاع في أجور المربين..

ونحن هنا أمام عملية هامة لأن اقتطاع ثمانية أيام سيكون ثقيلا على المدرسين وسيمثل فشلا ماديا لهذه السياسة القصووية المتبعة من الجامعة العامة ..

ولكن الامتحان الأكبر سيحصل ربما هذا اليوم مع القرارات المرتقبة للمكتب التنفيذي لاتحاد الشغل والذي لا يمكن له أن يبقى مكتوف الأيدي أمام هذا التمرد الواضح والصريح. فهل ستلجأ المركزية إلى الضرب بشدة أم ستختار التهدئة الآن ثم القيام مرة أخرى بعملية جراحية لإبعاد العناصر الأكثر تشددا في هذا التيار القصووي الشعبوي ؟!

الواضح على كل حال أن الأسعد اليعقوبي ورفاقه لا يمكنهم مغادرة المركزية النقابية لان ذلك يعد انتحارا جماعيا لهم ..فالمغادرة تعني ببساطة التخلي منذ الوهلة الأولى عن كل الإمكانيات الضخمة التي يتوفر عليها اتحاد الشغل بفضل الخصم الآلي وتفرغ كوادره النقابية وهذا يعني أن لا أحد يتصور- اليوم على الأقل – مغادرة قطاع هام من الوظيفة العمومية خيمة الاتحاد ..

التمرد المفتوح قد يعرّض أصحابه إلى عقوبات تأديبية ولكن عندما يتعلق الأمر بهيكل كامل وبكل افراد القيادة تصبح العملية دقيقة..

مهما يكن من آمر يبدو لنا أن الصراع بصدد بلوغ مستوى اللاعودة بين القيادة النقابية والتيار القصووي الشعبوي وان خيمة الاتحاد قد لا تتسع للجميع هذا إن أرادت الحفاظ على صلابتها وعلى مصداقيتها في آن واحد ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115