المنسيّون: مراهقو الكرم الغربي أنموذجا

ما أكثر الندوات التي عقدت حول وضع الاستراتيجيات لمكافحة الإرهاب

والوقاية من مخاطر التطرّف... وما أكثر المتطفلين على هذا الاختصاص الذي صار تجارة مربحة و«بزنس» يتوافد عليه «الباحثون في شأن الجماعات الإسلامية» من كلّ صوب. ويقصدهم مؤسسو الأحزاب والجمعيات حتى يضفوا «الشرعية» على أنشطتهم غاضين الطرف عن المؤهلات العلمية والكفاءة والأمانة والنزاهة في سبيل توشية منتدياتهم باسم «لامع يجلب الجمهور» حتى وإن كان هذا «المتخصص» لم ينجز بحثا معمّقا حول الموضوع...حتى وإن كانت «الخبيرة» في ما مضى من الأيام، تكتب التقارير البوليسية في الزملاء وتسوّق لسياسات تجمّعية أفضت إلى ترسيخ الاستبداد... إنّ انتحال صفة الخبير والمتخصص يجبّ ما سبق ويفتح لصاحبه أبواب الفضائيات ويهبّ الصحفيون لأخذ تصريحاته/ها حتى وإن كانت ممجوجة أو «مسروقة»...

وبالرغم من كلّ هذه الصفاقة و تركيز الإعلاميين على مسوّقي الرداءة والبلادة الذهنية وإسدالهم الستار على الفاعلين على أرض الواقع فإنّ المتابع للمبادرات الجديدة سرعان ما يتفطّن إلى الاستثناءات: هي جمعيات تشقّ طريقها وتواجه الصعوبات والتحديات في سبيل تغيير الواقع . ولأنّها لا تشتغل وفق شبكة علاقات سياسية أو إعلامية فإنّ مآلها «الحجب» و«اللامبالاة» والسعي إلى وضعها في خانة النسيان. ومع ذلك فإنّ وجاهة الدراسة وطرافة المبادرة وجدية البحث تجعلنا نتفاءل.

جمعيّة «مبدعون» الفتية تعمل في صمت وبلا ضوضاء قدّمت في (19 - 4 - 2018) نتائج دراسة أجراها عدد من الباحثات والباحثين حول موضوع ملفت للانتباه وهو «حالة المراهق/ة في الكرم الغربي 7 سنوات بعد الثورة» ومعنى هذا أنّ العناية صارت مركزة لا على الشباب بل على اليافعين. وتندرج هذه الدراسة في إطار الوقاية من التطرف العنيف من خلال البحث الميداني المعتمد على تعدد الاختصاصات (السوسيولوجيا، الانتربولوجيا،التحليل النفسي، التحليل الجندري...).

وتكمن أهمّ النتائج في:

- إنّ السياسات لابدّ أن تنطلق من القاعدة ، ومن محاولة فهم وإصغاء لفئة عمرية تحتاج إلى عناية خاصة باعتبار خصوصية مرحلة المراهقة فلا معنى لمقترحات لا تستند إلى دراسات ميدانية دقيقة ولا معنى لأفكار لا تعبّر عن المعيش اليومي لليافعين.

- تبقى استقالة الأسرة عاملا مهمّا ومؤثّرا في توجهات المراهقين نحو البحث عن البدائل: الحرقة، المخدرات، الانتحار...ويبقى العنف سيّد الميدان.

- لوزارة الأمن أن تتحدث عن شرطة «القرب» تلك التي تحترم المواطنين وأن تشير إلى الإصلاحات الهيكلية ولكنّ المراهقين لا يزالون ينظرون إلى الجهاز الأمني على أنّه «آلة قمع وإذلال» ...

لوزارة الشؤون الدينية أن تفتخر بالدورات التدريبية والبرامج الدعوية المسجدية والتلفزية والإذاعية ولكن لا مراهق يستقي معلوماته من هؤلاء الأئمة بل من مصادر أخرى لعلّ أهمها الشخص الذي يمتلك القدرة على تقديم الإجابات و«الفتاوى» لمآزق يمر بها المراهقون فيعجزون عن حلها بمفردهم.

- يتسلل المستقطبون من خلال الفجوات : عنف أسري، طلاق، فشل دراسي، الافتقار إلى معنى في الحياة ، البحث عن الاعتراف... فيستثمرون الروابط العلائقية الاجتماعية ليعيدوا تشكيل هويات اليافعين.

- يبدو الفضاء العام مفتوحا على أنشطة متنوعة وتجارب مختلفة واختبارات عدّة ولذلك نجد تفاوتا بين عدد المراهقين الذين تأثروا بالفكر المتطرف وعدد المراهقات اللواتي عادة ما يبقين أكثر ارتباطا بالفضاء الخاص وأكثر عرضة للمراقبة في أحياء تحافظ على البنية البطريكية.

- تهاوت أنظمة السلطة. فما عاد اليافعون الذين كانوا في وضع المشاهد/والشاهد على الثورة ، وعلى حالات الانفلات الأمني، والاجتماعي قابلين لمفهوم الطاعة ولا راضخين لمحاولات «الترويض» و«التطويع» و«الـتأديب» .لقد سقطت النماذج القدوة وانهارت المنظومات وتعددت مظاهر الخيبة وتفتت السلط وفقد الأب/المربي/ الإمام/...سلطته.

- أولاد الحومة وبنات الكرم يعيشون الوصم الاجتماعي والنبذ ويشعرون بأنّهم على الهامش فلا مركز أمن لهم ، ولا تفعيل لمؤسسات ثقافية ولا نجاعة لأنظمة تعليمية ومع ذلك يبقى اعترافهم بالدولة قائما.
هذه بعض النتائج التي قدّمت أمام جمهور محتشم وفي ظلّ غياب النخب السياسية (باستثناء كاتب الدولة للشباب والطفولة والسيد مصطفى بن جعفر، والسيد إلياس الفخفاخ) والإعلامية والثقافية التي وجهت لها الدعوات...

لتصمّوا آذانكم ... لتغلقوا أعينكم ... لتتجاهلوا الأصوات الجديدة... لتهمشوا المبادرات المتميّزة ولكن لتونس أبناء وبنات عازمون على التغيير ... إنّ الأمل لا ينقطع عندما نرى حماس أساتذة الرسم والرقص ومديرة دار الثقافة وغيرهم من الذين يريدون تغيير الصور النمطية وتحرير اليافعين من الوصم الاجتماعي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115