النهضة «البَينِية»

لا مرية أنّ قيادات «النهضة» وراسمي سياساتها يبذلون مجهودا كبيرا

من أجل إحداث التغيير على أكثر من واجهة وفي كلّ المجالات والبنى ولعلّ أهمّها تغيير تمثّل التونسيين لهذه الحركة (الحزب) سواء أكان هؤلاء من أشدّ الرافضين لها أو من أتباعها الذين لا ترضيهم توجهاتها الجديدة. فبعد أن كانت حركة الاتجاه الإسلامي ، ثمّ حركة النهضة ها هي تتحوّل إلى حزب ‘النهضة’... ولكنّ أكثرهم يصرّون على الحديث عن «الخوانجية». وبالرغم من سعي القيادات النهضاوية ، في أكثر الخطابات السياسية ،إلى إبراز أوجه الاختلاف بين تنظيم الإخوان وحزب النهضة من جهة، واستقلالية النهضة عن أي تنظيم إسلامي، من جهة أخرى... فإنّ الواقفين لها بالمرصاد يتتبعون أخبارها ويجمعون الحجج الدالة على وجود عروة وثقى بين الأصل والفرع يكفي أن يُشار إلى علامة رابعة التي يظهرها «النهضاويون» في أكثر من مناسبة، في وجه المعارضة وكأنّ لسان حالهم يردد: «موتوا بغيظكم».

ولئن حرص راسمو السياسات على «تعصير» صورة الحزب فألزموا رئيسه بلبس ربطة العنق «الحمراء» والزرقاء والسوداء ...،وأخذ «السلفي» مع الشقروات «المتبرّجات » والتموقع باعتباره رئيسا لحزب سياسي بمرجعية دينية... فإنّ اللفظة الأكثر تداولا على ألسنة الناس هي «الغنوشي» أو «الشيخ» أو «الخريجي». أمّا الحزب الذي سوّق له أصحابه على أساس أنّه حزب وسطي Moderate وينهل من تراث الفكر الإصلاحي التونسي فإنّه بقي في نظر أغلب الدارسين التونسيين مُمثل «الإسلام السياسي» بامتياز في حين أنّه ظلّ في كتابات الغربيين الحركة الإسلامية أو «الحزب الإسلامي» the Islamist party  Islamist Movement وعُرّف أتباعه بــ«الإسلاميين» the Islamists...
لقد عمل المؤسسون لحزب النهضة على صناعة تاريخ جديد للقياديين وللحركة .فالنهضاويون وطنيون ومناضلون ضحوا بأنفسهم وتعذبوا من أجل «الحرية» و«العدالة» و... أمّا الحزب فإنّه توافقي ينخرط في المدنيّة ويتبنّى أصحابه خطابا سياسيا يفصل بين الديني والدعوي ويُحكمون استعمال مصطلحات سياسية حديثة كــ«الحوكمة» و«التشاركية» و«الشفافية» و«النزاهة»... إلاّ أنّ ما بقي في أذهان الناس «أحداث العنف، وماء الفرق» و«الناس التي تعرف ربّي ولكنهم باتوا يحبون الغنيمة»....

وهكذا يلوح أنّ محاولة صناعة هوية جديدة للنهضة وتغيير نظرة التونسيين ومن بعدهم الغرب، إلى ‘أهل النهضة’ وطرق إدارتهم للسياسية والبلاد يظلّ عسيرا كما أنّ محاولة ترسيخ تمثلات جديدة بشأن النهضاويين لا يزال فعلا عصيا، وهو أمر يرجع في تقديرنا، إلى بقاء القيادات مشدودة إلى مبدأ البينية . فهم يريدون التمسّك بالخلفية الأيديولوجية العقدية ولكنّ انغماسهم في الحياة اليومية بكل إغراءاتها (تشييد القصور، تكديس الأموال، التجارة ، المشاريع، البذخ...) والحياة السياسية بكل إكراهاتها (التملق، الرياء، المكر، الكذب....)يجعلهم مثل غيرهم من التونسيين ينوسون بين المحافظة /الانفتاح، الظاهر/الباطن، الداخل/الخارج...

يريد أهل النهضة إقناع غيرهم بأنّهم يحبّون التنوّع والتعدّد والاختلاف فيقبلون بترشح «التونسي/اليهودي، والتونسية /السافرة»، ولا شأن لهم بالتضييق على المثليين ...فهم متصالحون مع الجميع ومنصهرون في النسيج التونسي. ولكن إلى أيّ مدى تعكس هذه السياسات «النخبوية» وأحيانا الفرديّة البنية الذهنية لعموم أتباع النهضة الذين لا يقتنعون بجدوى هذا التغيير؟ إلى أي مدى يراعي القياديون الواقع التونسي بتناقضاته وأزماته المتعددة ؟ أليس التوجه نحو التغيير بنسق سريع علامة على الخضوع للاملاءات الخارجية والاستعداد لتقديم كلّ التنازلات من أجل السلطة؟ وبين الحنين إلى الأصل حيث كانت خطب «الشيخ» حول أمريكا الشيطان الأعظم والامبريالية وتحرير القدس تلهب الأتباع ومحاولة التأقلم مع متطلبات السياسة العالمية في هذه المرحلة التاريخية المفصلية مسافات تجعل النهضة لا حمامة زرقاء بل كائنا هجينا «لا شرقي ولا غربي» نخشى عليه فقدان التوازن لأنّه يرقص على الحبلين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115