بعد اجتماع: وثيقة قرطاج حكومة جديدة أم استفحال للأزمة ؟ !

ما أشبه اليوم بالبارحة !! مؤشرات عديدة تفيد بأننا في وضعية تشبه شهر جوان 2016

حيث أطلق رئيس الجمهورية في حوار على القناة الوطنية مبادرته حول ضرورة تشكيل حكومة «وحدة وطنية» يشارك فيه طيف سياسي أوسع من التحالف الحزبي الذي كان يدعم حكومة الحبيب الصيد ولكن بمشاركة اهم المنظمات الوطنية وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية باعتبار أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية تحتاج لحلول عاجلة وأنه دون دعم هاتين المنظمتين لانجاح لأية حكومة ..

اليوم تفضي هذه المبادرة الرئاسية إلى ضرورة تشكيل لجنة تعد خارطة طريق للخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في ظرف أيام معدودات ثم العودة لاجتماع الممضين على وثيقة قرطاج لتحديد ملامح الفريق الحكومي القادر على الانجاز ..
والضمني هنا هو إما تطعيم الفريق الحالي بوجوه جديدة مع الحفاظ على رئيس الحكومة يوسف الشاهد أو البحث عن بديل له لإتمام الفترة المتبقية من هذه العهدة الانتخابية ..
إلى هنا تقف أوجه الشبه بين الأمس واليوم ..

ففي الأمس المبادرة انطلقت من قصر قرطاج بعد مشاورات متعددة وأفضت فيما بعد إلى إقناع أحزاب الحكم آنذاك وأحزاب أخرى التحقت بها واهم أطراف الإنتاج من شغالين وأعراف وفلاحين .. أما اليوم فالمبادرة تنطلق بالأساس من اتحاد الشغل وبدعم ضمني من اتحاد الصناعة والتجارة بما فرض وضعية جديدة على القصر وعلى الحكومة وعلى أحزاب الحكم أيضا ..

اليوم هنالك غموض تام حول مآلات هذه المبادرة الجديدة إذ نحن أمام أربعة أصناف من اللاعبين لا يمكن لأي واحد منهم كسب الرهان لوحده: رئاسة الجمهورية من جهة ورئاسة الحكومة من جهة أخرى ومنظمتان (اتحاد الشغل واتحاد الأعراف ) من جهة وحزبان (النداء والنهضة ) من جهة أخرى.
المنظمتان تريدان ادخال تغيير هام على الحكومة أو على رأسها الآن أي في الأيام أو الأسابيع القليلة القادمة والحزبان يريدان انتظار نتائج الانتخابات البلدية حتى يكون التغيير الحكومي (الشامل أو الجزئي ) على ضوء موازين القوى السياسية الجديدة / القديمة ..

أما رئاسة الجمهورية فهي تريد امتصاص الأزمة الحالية دون أن تجاري ضرورة المنظمتين ورئاسة الحكومة الحاضرة بالغياب في هذه الأزمة ترى فيها تقليلا من عملها وانتقاصا من البوادر الايجابية لانتعاشة الاقتصاد وعدم مجابهة المشاكل الحقيقية التي أدت إلى هذه الأزمة من طرف اتحاد الشغل ذاته وبقية الفاعلين الأساسيين في المشهد .. هذا عندما نبقى على مستوى الحسابات السياسية أما الأهم من كل هذا فهو السؤال التالي : هل ستتمكن الأطراف المتبقية في وثيقة قرطاج وبالأساس المنظمتان والحزبان من الاتفاق على خارطة طريق دقيقة للعمل الحكومي؟ وهل سيحصل بينها التوافق في المواضيع الحارقة كمسألة إصلاح المؤسسات العمومية ومراجعة منظومة الدعم وإصلاح الصناديق الاجتماعية وغيرها من الملفات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتي عادة ما تناقضت حولها مواقف اتحاد الشغل مع اتحاد الأعراف ؟ أم أن هذه الأطراف مجتمعة ستتولى صياغة وثيقة جديدة تطلق عليها اسم «خارطة طريق» وتكون في نفس عمومية «وثيقة قرطاج» ونكتفي هنا فقط بتغيير المسميات دون توافق حقيقي حول هذه الملفات الضخمة والتي تكسرت عليها أسنان كل الحكومات السابقة ؟

أسئلة كثيرة لا يملك احد بمفرده أجوبتها ولا يريد احد كشف كل أوراقه ولكن الثابت منذ الآن أن حكومة يوسف الشاهد قد أضحت تقريبا في عداد التاريخ وان بقيت قائمة بيننا لأسابيع أو لأشهر وستدخل البلاد منذ اليوم في مرحلة انتظارية جديدة ستزداد معها الأمور سوءا والإصلاحات المتعثرة اليوم ستتعطل بالكامل ..
ولا يدري احد كيف ستتصرف الحكومة انطلاقا من اليوم : هل ستنكفئ على نفسها وتكتفي بتصريف الأمور اليومية ام ستلجأ الى نوع من الهجوم المضاد فتسعى إلى الإسراع في وتيرة الإصلاحات باعتبار انه لم يعد لها ما تخسره في ظل هذا المعطى الجديد ..

لا احد اليوم يتحكم بالكامل في الرزنامة السياسية في الأسابيع القادمة وقد تسير الأمور بما لا يرضي احدا بالكلية ولكن الأرجح حسب المعطيات المتوفرة إلى حدّ الآن أن تتواصل الأزمة بوتيرة متفاوتة وأن يسعى كل طرف للاستفادة من تناقضات حلفائه / منافسيه .. فالحكومة ستلعب ولاشك على التنافس بين المنظمتين وبين الحزبين آملة في أن تكون محصلة هذا التنافس قريبة من الصفر أي أن تمتص هذه التناقضات كل قدرة جماعية على فرض تغيير جدي وعميق في القصبة وقد تكون المحصلة الجماعية لكل الأطراف الحاضرة والغائبة (الحكومة) في وثيقة قرطاج هي الاكتفاء بتغيير هام لا يمس ضرورة رئاسة الحكومة .. أي أن يتنازل كل طرف قليلا حتى لا تتحول الازمة السياسية الى ازمة مؤسساتية .. ولكن لا يجب أن نستبعد سيناريوهات اخرى منها مغادرة اتحاد الشغل لاتفاق قرطاج إذا ما لم يلمس الجدية الكافية في التفاعل مع مطلبه بضرورة مراجعة عميقة لأولويات الحكومة ولآليات اشتغالها ولضرورة الاستغناء عن الوزراء والمستشارين الذين اثبتوا قلة فاعليتهم ..كما لا ينبغي استبعاد استقالة يوسف الشاهد من رئاسة الحكومة إن لم يلمس هو الآخر المساندة الكافية من قبل رئاسة الجمهورية اولا وحزبه ثانيا وان يقدم على تجربة سياسية جديدة ..

مرة اخرى يفتح باب الممكن على مصراعيه في بلادنا بما يثبت اننا لم نخرج بعد من المرحلة الانتقالية واننا مازلنا بعيدين عن استقرار المؤسسات والحكومات.
يوسف الشاهد هو رئيس الحكومة السابع بعد الثورة .. وجلّ المؤشرات تدل على انه سيكون لنا رئيس حكومة ثامن قبل نهاية هذه العهدة النيابية..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115