بعد النجاح الكامل لهيئة الانتخابات في مرحلة قبول الترشحات للانتخابات البلدية: الجديد سياسيا ومجتمعيا

تسود بلادنا هذه الفترة موجة سوداوية عارمة زادتها تصنيفاتنا في القائمات السوداء قتامة ، ولكن لا ينبغي أن ينسينا هذا بأن

هنالك تقدما في بلادنا في مجالات شتى رغم التعثرات ورغم الشعور بالإحباط الذي يلم بقطاعات واسعة من مجتمعنا..

في قلب هذه القتامة العامة هنالك نجاح لابدّ من تحيته ويتعلق بالبداية الموفقة للغاية لهيئة الانتخابات في تنظيمها لعملية قبول الترشحات للانتخابات البلدية القادمة وكذلك تجند الأحزاب والائتلافات وخاصة المستقلين والذين قدموا جميعهم 2173 قائمة تضمنت 57.020 مترشحا ما بين من أدرج اسمهم في القائمات الأصلية (47602) ومن أثثوا القائمات التكميلية (9418) وكل ذلك في عملية فيها سلاسة كبيرة رغم تعقد الشروط وتعدد المنظومات الإعلامية التي استندت إليها هيئة الانتخابات وهذا العمل في مرحلته هذه يستوجب التحية والتقدير ونرجو أن يحالف التوفيق الهيئة في المرحلة الثانية والأساسية في هذا المسار وهي البت في كل هذه الترشحات وفق القوانين المنظمة لها حتى لا يظلم أحد ولا يسمح لأحد كذلك بتجاوز القانون ولو من جهة التساهل فقط..

وبصفة تكاد تكون متناغمة مع الندوة الصحفية لهيئة الانتخابات صادقت يوم أمس لجنة تنظيم الإدارة وشؤون القوات الحاملة للسلاح على مشروع مجلة الجماعات المحلية برمته وبهذا من المتوقع أن تبدأ الجلسة العامة في مناقشته بداية من شهر مارس القادم ..

لا يدعي احد بان قيام الانتخابات البلدية ونجاح المسار الانتخابي برمته سيغير وبصفة فورية الوضع العام للبلاد أو حتى وضعية المحيط من نظافة الطرقات وإصلاحها والتنوير و..فهذا يستوجب فترة من الزمن تحددها الإمكانيات المادية والجهود البشرية والإدارية وحسن التعاون المدني للمواطنين ..ولكن التقدم في مسار اللامركزية سيسهم بلا شك في التغيير التدريجي لحوكمة البلاد لتوفير شروط إقلاعها متى تظافرت كل الجهود والإرادات على ذلك ..

هنالك قراءة سياسية ولاشك للانتخابات البلدية..

قراءة في مستوى جاهزية مختلف الأحزاب والمترشحين المستقلين لها وكذلك نوعية الخطاب الذي ستطوره هذه القائمات ثم في نتائج التصويت ..ولكن ثمة قراءة أخرى مجتمعية سنسعى من خلالها للتعرف على ما افرزه القانون الانتخابي واجتهاد المترشحين من معطيات جديدة على الميدان ..

• لقد بدا واضحا منذ البداية بأن استعداد الأحزاب لهذه الانتخابات ليس متساويا ..فالنداء والنهضة ،مرة أخرى ،تقدما على كل منافسيهما بأشواط كبيرة إذ نجح هذان الحزبان في تقديم 350 قائمة أي بنسبة تغطية بـ%100 لكل الدوائر الانتخابية وتأتي بعيدا الجبهة الشعبية في المرتبة الثالثة بـ132 قائمة فالمشروع بـ84 والتيار بـ72 فالحراك بـ47 وآفاق بـ46 والائتلاف المدني بـ43 وحركة الشعب بـ40 وهذه الأحزاب والائتلافات وحدها هي التي تمكنت من تجاوز عتبة %10 في تغطية الترشح للانتخابات البلدية وهذا كله قبل فترة البتّ في الترشحات والتي قد تسقط عددا من كل هذه القائمات لاسيما تلك التي تقدمت في اليوم الأخير ويصعب عليها إصلاح الاخلالات إن وجدت في صفوفها ..

حزبان إذن في %100 وسبعة أحزاب ما بين %11 و%37 من نسبة تغطية الدوائر البلدية وسبعة عشر حزبا تقدمت بقائمة يتيمة أو تزيد..

والسؤال أين بقية الأحزاب (حوالي المائتين) المتحصلين على رخصة قانونية والعاجزين حتى على تقديم قائمة واحدة ؟! إنه الانتصاب الوهمي في الحياة العامة ..

هنالك أحزاب كان لها شان سياسي وإعلامي واليوم لا نجد لها ولا قائمة واحدة ،ورغم ذلك تصر هذه الأحزاب على المحافظة على دكاكين رغم حالة الموت السريري الذي يعتريها!!

قوة الانتشار الانتخابي لا تعني بطبيعة الحال فوزا في الانتخابات فالصندوق لن يبوح بإسراره إلا مساء يوم الأحد 6 ماي وبعد تصويت آخر ناخب(ة) ولكن الانتشار الانتخابي يعطينا صورة أولية عن الآلات الانتخابية المتنافسة وعن مدى استعدادها لهذا الموعد المفصلي في تاريخ البلاد..

• ثمة شيء جديد يستحق التوقف عنده وهو يتعلق بتانيث وتشبيب المترشحين..

يعلم الجميع أن القانون الانتخابي يفرض على القائمات الحزبية والائتلافية التناصف الأفقي والعمودي أي الحزب الذي يقدم مائة قائمة مجبر قانونيا على تقديم 50 قائمة ترأسها امرأة وإلا سقطت القائمات التي تزيد على التناصف ..

وهذا الشرط سيغير من المشهد البلدي بصفة جوهرية إذ ستكون مجالسنا البلدية مختلطة بشكل كبير ولا نعتقد أن تقل نسبة التمثيل النسائي عن الثلث في كل الحالات باعتبار ان القائمات المستقلة لا تخضع إلا إلى التناصف العمودي فقط ، أي التناصف داخل نفس القائمة وباعتبار أن جلّ رؤساء هذه القائمات هم من الرجال كذلك ..

إذن سيكون هنالك تأنيث كبير في المجالس البلدية المنتخبة وهذا التأنيث سيشمل أيضا رؤساء البلديات إذ حصر القانون الانتخابي حق الترشح لرئاسة بلدية في رؤساء القائمات فقط بما يعطينا تناصفا شبه كامل لو فازت الأحزاب وفي صورة انتصار عدد هام من القائمات المستقلة فلن تنزل نسبة رئيسات البلديات عن الثلث كذلك حسب أرجح التوقعات ..

مع التأنيث فرض القانون الانتخابي التشبيب، فكل قائمة لا تحتوي في المراتب الثلاث الأولى على شاب (ة) دون 35 سنة ستسقط وكذلك يفرض القانون وجود شاب (ة) دون 35 سنة في كل ستة مراكز ، والإخلال بهذا الشرط يسقط القائمة ..

ولقد افرز هذا الشرط القانوني تشبيبا هاما في كل القائمات المترشحة إذ نجد أن من هم دون 35 سنة يمثلون أكثر من نصف المترشحين (%52) وان صغار الكهول (ما بين 36 سنة و45 سنة) يمثلون حوالي الربع (%23.9) بينما لا تصل شريحة ما فوق 60 سنة إلى %5 من المجموع ..

ففي المحصلة ستكون لدينا مجالس بلدية شبابية ومؤنثة وذلك مهما كان اللون السياسي للفائزين أي أننا بصدد خلق جيل جديد من السياسيين داخل الأحزاب وخارجها يتدرب على العمل العام الفعلي الملموس في الإطار البلدي كما هو الحال في كل ديمقراطيات الدنيا ، وهذه الدربة الأولى هي التي ستسمح للآلاف من النساء والشباب بخدمة مدنهم وقراهم بداية ثم خدمة البلاد بصفة اعم في السنوات القادمة ..

يخطئ من يعتقد بأن الأمل قد فقد من هذه البلاد ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115