ثلاثة أيام قبل غلق باب الترشحات: الانتخابات البلدية تكشف المستور ..

•90 % من القائمات الحزبية هي من النهضة والنداء
تشهد الفترة الانتقالية مظاهر غريبة وفريدة في بلادنا..البعض يريد انتخابات دون

ديمقراطية أمّا البعض الآخر فتراه يفضل ديمقراطية ولكن دون انتخابات أو على الأقل دون انتخابات «مرهقة» كالانتخابات الجهوية وعلى رأسها انتخاب المجالس البلدية..

لقد توقع بعضهم تقدم عشرة آلاف قائمة أو تزيد لتتنافس في الدوائر الثلاثمائة وخمسين ولكن قبل ثلاثة أيام فقط من غلق باب الترشحات مازلنا في حدود المئات وتجاوزنا بعناء شديد معدل قائمتين للبلدية الواحدة..

ورغم يقيننا بكوننا جميعنا حريصين على هويتنا التونسية وأّنّنا لا نتحرك بالسرعة المطلوبة إلاّ في الوقت بدل الضائع فإننا لا نعتقد أنّنا سنكون أمام مفاجآت مدوية والصورة أضحت واضحة منذ الآن : حزبان ،النداء والنهضة،سيتقدمان في جلّ الدوائر الانتخابية ولكنهما قد يعرفان صعوبات كبيرة لتقديم قائمات في عدد من البلديات وقد لا يتوفق أي حزب في ترشيح 350 قائمة كاملة كما كان الرهان في البداية..

الأحزاب والتحالفات «الوسطى» إن صحت الكلمة أي الأحزاب التي لديها حضور سياسي في مجلس نواب الشعب وعند الرأي العام كذلك لن تتمكن – على الأرجح – من التراهن في أغلب البلديات بل يبدو أن عتبة %50 من مجموع البلديات (أي 175 دائرة انتخابية) ستكون صعبة المنال رغم التصريحات السابقة بالقدرة على تجاوزها..

ويكفي أن نعلم أن القائمات النهضوية والندائية تمثل إلى حد يوم أمس أكثر من 90 % من القائمات الحزبية لنرى بوضوح ماهي حقيقة الوضع الحالي. أما بقية الأحزاب التي ستكون حاضرة في الحلبة فلن تتجاوز قائماتها بعض العشرات على الأرجح ،وكل الأحزاب والتحالفات التي تحدثنا عنها لن تتجاوز العشرة او العشرين في أقصى الحالات بما يفيد بأن الغالبية الساحقة من «الأحزاب» القانونية (حوالي 210) لا وجود لها مطلقا على أرض الواقع لأنها مجرد أسماء وعناوين أو أنها أشبه بالأحزاب الوهمية والتي قد تجعلنا نتبوأ تصنيفا افتراضيا في قائمة سوداء جديدة حول نسبة الأحزاب الوهمية في البلاد..

ولكن السؤال الأبرز يبقى التالي :كيف نفسر عجز أحزاب وتحالفات لها حضور سياسي وإعلامي على أن تتقدم في جل الدوائر البلدية إن لم نقل كلّها ؟

نجد الجواب عند الأحزاب وعند التونسيين كذلك ..

فعند جلّ الأحزاب هنالك ميل شبه فطري للظهور الإعلامي وللخطاب السياسي على حساب العمل الميداني وتأطير المواطنين ولهذا ترى هذه الأحزاب لا ترغب كثيرا في انتخابات القرب لأنها لا تملك مقوماتها ولا وجود يذكر لها بين المواطنين في قراهم ومدنهم وهي لم ترد أو لم تستطع إصلاح هذا الخلل على امتداد هذه السنوات الأخيرة فكان لبعضها حضور إعلامي أو سياسي لافتان ولكنها لم تعط لنفسها إمكانيات الوجود الفعلي على الميدان..

بعض الأحزاب والتيارات لها ،رغم ذلك، بعض الحضور الميداني ولكنها لا تتمكن في أحيان كثيرة من تحويل الحضور الميداني إلى حضور انتخابي (نتحدث هنا على مستوى تقديم القائمة لا النتائج) إذ يحصل تنافس شديد على رئاسة القائمة ثم يكاد يضمر الحماس بالكلية كلّما نزلنا في سلم ترتيب المترشحين ،وهذا يعكس حالة نفسية عامة ليست الأحزاب هي المتسببة الرئيسية فيها بل نوع من ثقافة قطف الثمار بسرعة التي هيمنت على مجتمعنا خلال العقدين الأخيرين..

صحيح أن لهذه الأحزاب مناضلين لا يبخلون بالتضحية وببذل الغالي والنفيس من أجل أفكارهم ومبادئهم ولكن كل الأحزاب من يمينها إلى يسارها إلى وسطها أصبحت تعاني من وجود متعاظم لمن لا صبر له على النضال ولمن تغريه المواقع قبل المواقف ..وهذا الصنف تراه بمناسبة الانتخابات يتجول من حزب إلى آخر وفق قانون مركاتو كرة القدم ..

لقد بينت هذه الأيام الخمسة الأولى هشاشات منظومتنا الحزبية وأننا مازلنا نفتقد لوجود خمسة أو ستة أحزاب قوية وقادرة على تأطير المواطنين ووازنة فوق الميدان ولها رؤية وأفكار للبلاد على أساسها تتقدم للانتخابات أو تتحالف أو تتصارع..

ما نخشاه أن نبقى في «صحيّن تونسي» في كل شيء وأن نواصل في الأخذ من كل شيء بطرف دون أن نسعى لبناء منظومة حزبية صلبة قادرة على قيادة البلاد وعلى حسن التعبير عن قواها الأساسية ..

فبناء المنظومة الحزبية ليس فقط من مسؤولية الأحزاب أو المواطنين بل هو كذلك سياسة عمومية عبر التمويل العمومي وشفافية التسيير حتى لا تكون الأحزاب حكرا على وجاهات المال والنفوذ ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115