Print this page

التجارة الخارجية لتونس: في جانفي 2018 تحسن ملموس ولكن الهشاشات مازالت قائمة

أرقام التجارة الخارجية لتونس في جانفي 2018 شهدت تحسنا واضحا مقارنة بجانفي 2017

إذ تطورت صادراتنا بـ%38.9 بينما لم تنم الواردات الا بـ24.9 % ممّا أعطانا نسبة تغطية (الصادرات على الواردات) بـ%72.1 مسجلة تحسنا بـ%7.3 مقارنة بجانفي من السنة الفارطة

ولكن لا ينبغي أن تخفي هذه النتائج الايجابية في ظاهرها تواصل هشاشات مبادلاتنا التجارية والتي تعكس بدورها هشاشات آلتنا الإنتاجية وهيكلة اقتصادنا بصفة عامة .. فهذا التحسن الملاحظ في التصدير مقارنة بالسنة الفارطة يعود في جوهره لقطاعين اثنين وهما قطاع الطاقة الذي ارتفع التصدير فيه بـ%273.3 والمنتوجات الفلاحية والغذائية بـ%93.7 بينما كانت نتائج جل الصناعات المعملية تتراوح ما بين %25 و%33 في حين تراجع قطاع المناجم والفسفاط ومشتقاته بـ%25.1..

وينبغي أن نعلم أننا نقارن هنا بالأسعار الجارية أما لو اعتمدنا الأسعار القارة فسنجد أن التصدير قد تطور بـ%16.1 فقط وأنّ قطاعي الطاقة والصناعات الغذائية والفلاحية قد سجلا ارتفاعات هامة ..

الواضح إذن أن التحسن النسبي في صادراتنا ليس ناتجا بالأساس عن ديناميكية نسيجنا الصناعي إجمالا بل عن قطاعات محدودة احدها (الطاقة) يتأثر خاصة بظروفنا الداخلية وبحجم الاحتجاجات الاجتماعية وبتعطل الإنتاج من عدمه والآخر (المنتوجات الفلاحية والغذائية ) يتأثر بدوره بنوعية الموسم الفلاحي وخاصة في مجالي زيت الزيتون والتمور ..
ولكي ننسب نتائج جانفي 2018 ينبغي التذكير بنتائج جانفي 2016 والتي حققنا فيها (بفضل زيت الزيتون والتمور) نسبة تغطية وصلت إلى %79.6 أي أفضل من نتائج هذه السنة بسبع نقاط ونصف كما أن عجزنا التجاري لشهر جانفي 2016 كان أكثر بقليل من 500 مليون دينار بينما تجاوز هذه السنة 1200 مليون دينار مما يجعلنا مرة أخرى تحت ضغوط مرتفعة على مخزوننا من العملة الصعبة ..

مرة أخرى يكون ميزاننا التجاري ايجابيا فقط في النسيج والملابس والجلود والأحذية ومتوازنا في الفلاحة والصناعات الغذائية وسلبيا في بقية القطاعات وخاصة في الطاقة..
وكالعادة تتسبب ثلاث دول في أكثر من نصف عجزنا التجاري وهي الصين وروسيا وتركيا بينما تمكنا من تعديل نسبي للكفة مع ايطاليا بفضل زيت الزيتون .

خلاصة الأمر أننا سجلنا تحسنا نسبيا لمبادلاتنا التجارية في شهر جانفي 2018 عندما نقارنها بالشهر نفسه من السنة الفارطة إلا أننا لم نبلغ بعد حتى مستوى سنة 2016 حيث كانت وضعية مبادلاتنا التجارية أفضل بكثير من الآن ثم إن التحسن الطفيف لجانفي 2018 لا يعكس حيوية هامة لجلّ آلتنا الإنتاجية والتي لم تستفد بصفة ملموسة بتراجع الدينار مقابل الاورو وذلك نظرا لضعف الإدماج في جلّ منتجاتنا الصناعية في ظل حاجتنا الكبيرة لمواد أولية ونصف أولية نستوردها من الخارج بما يفقدنا مزية التنافسية النظرية الناجمة عن تراجع الدينار مقارنة باليورو بحوالي %20 في سنة واحدة ..

أمّا عجزنا التجاري فما زال في مستوى مرتفع للغاية وهو ما سيحد حتما من احتمال تحسن مستوى عملتنا الوطنية ويجعلها خاضعة لضغوط إضافية بحكم اضطرار البنك المركزي لتسديد هذا العجز التجاري بالعملة الصعبة ..

لاشك أنّنا حققنا بداية في هذه السنة أفضل ممّا حققناه في السنة الفارطة ..ولكن الهشاشات مازالت هي هي والانخرام الهيكلي في مبادلاتنا التجارية مازال هو كذلك على وضعيته القديمة. وعندما نعلم أننا التزمنا مع شريكنا الأوروبي بأن نقلص خلال هذه السنة التحفيز الجبائي للشركات المصدرة ندرك أننا مازلنا لم نغادر بعد منطقة الهشاشة الاقتصادية وانه يجب علينا أن ندرك جميعا انه دون تحسين إنتاجية البلاد فانه لا مخرج لنا من هذه الجدلية السلبية ..

المشاركة في هذا المقال